السيف الطائر من جلوس.

دعيت للتحدث في إحدى الندوات الثقافية، وكان المستضاف فيها أحد المشاهير، ولسوء الطالع أنه كان من المقربين لي، والحديث في السير في ذاته أطول من قامتي القميئة، فكيف وهو صديق حميم، وفوق ذلك شهير. إن هذا لمن أشد المآزق ضيقًا، وأكثرها حرجًا، فما عسانى أقول في حقه دون الوقوع في مَظَنَّتَي المحاباة، والتكرار المعاد؟ فالأولى دافعها الصداقة، والثانية الشهرة، وأيًّا ما كان حديثي عن الأستاذ السيف فلن يخرج عما نكرره من قول كعب بن زهير: ما أرانا نقول إلا رجيعًا ومعادًا من قولنا مكرورا وهذا عين ما أنا واقع فيه في هذا الملف، وما يؤكد هذا مفتتح رسالة الدعوة للكتابة فيه؛ فهو يقول بالنص: «تستعدُّ مجلة اليمامة لإعداد ملف خاص عن الأستاذ محمد السيف رئيس تحرير المجلة العربية والكاتب البارز في حقل السير والتوثيق الثقافي، ويأتي الملف تقديرًا لمسيرته المتميزة في المشهد الثقافي السعودي، والعربي...». هذا المقتطف من الدعوة كفاني عبء الإطناب في بيان شهرة الأستاذ السيف، مع أنه أقل ما يمكن أن يقال مما هو معروف من سيرته، وكما قلت فإنني لن آتي بجديد في سيرة رجل طبقت سيرته الآفاق؛ حتى لكأن الشيخ جعفر الخطي عناه دون غيره بقوله: لم يسر ذكر من تداوله السيـ ـر، وأنت الثاوي وذكرك يسري أنت كالبدر في محل من الأفـ ـق، ويكسوبضوئه كلَّ قطر(1) فمن ذا الذي يجهل دوره في مجال الإعلام، وإنجازاته، وحُرَفيته إبَّان عمله محرِّرًا ثقافيًّا في صحيفة (إيلاف)، منجزًا الكثير الرائع من الحوارات، وملفات السير، وفي مجال النشر، لا ينسى دوره في المشاركة في تأسيس دار جداول للنشر والترجمة ببيروت، كذلك ترؤسه القسم الثقافي في صحيفة (الاقتصادية«، وفي حقل البحث العلمي يشهد له عمله مستشارًا ثقافيًّا في الشركة السعودية للأبحاث والنشر، وفي مجال الإشراف يقف شاحصًا قي منصب المشرفً العامً على مركز الملك فهد الثقافي، ناهيك عن حقلي البحث والتاريخ، لهذه الأسباب مجتمعة أراني مجبرًا على الإتكاء على ما في (قاضي المهمات (كوكل)، لأن ما أعرفه معروف - بالضرورة - لدى الجميع: شيء عن مؤلفاته 1 - عبد الله الطريقي: (صخور النفط ورمال السياسة)، صدر عن دار رياض الريِّس، 2007. يتناول سيرة الشيخ عبد الله بن حمود الطريقي، أول وزير للنفط في المملكة، وهو نسيج وحده بلا مراء، فقد وثق فيه سيرة رجل من أكثر النخبة الوطنية خبرة في مجال صناعة النفط، ومن أكثرهم إخلاصًا وتفانيًا في خدمة وطنه، وحكومته، ولاسيما دوره أثناء عضويته في مجلس إدارة شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، وما حققه من نجاح في تعديل اتفاقيات النفط بما كفل استعادة حقوق المملكة. 2 - (سيرتهم: صفَحات من تاريخ الإدارة والاقتصاد في السعودية)، يتناول في سِيَر ست شخصيات سعودية جمعت بينها وحدة العملُ في مجال الإدارة والاقتصاد، وهم الأساتذة والشيوخ وهم: أ - منير العَجْلاني السياسيُّ، والصحفي الأديب، والوزير في سوريا، وكبيرُ المستشارين في وزارة المعارف السعودية. ب- وعبد العزيز التويجري نائبُ رئيس الحرس الوطني، والإداري الكفوء. ت - وعبد اللطيف العيسى ، التاجر ووكيل شركة جنرال موتورز. ث - عبد الرحمن السُّبَيعي، وكيلُ بيت المال في شقراء، وأحدُ رجال الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه). ج - صالح العمير نائبُ وزير المالية والاقتصاد الوطني سابقًا، ومحمد الطويل المدير العام لمعهد الإدارة العامَّة سابقًا ، ح - الشيخ (ناصر المنقور: أشواك السياسة وغُربة السِّفارة) صدر عن دار جداول، 2015. حول سيرة أحدُ ألمع بناة العملية التعليمية في المملكة المبكرة في عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وتأسيس جامعة الملك سعود، فضلًا عن عمله الدبلوماسي لمدة ثلاثين عامًا. وقد استحق هذا الكتابُ – بجدارة - على جائزة وِزارة الثقافة والإعلام للكتاب سنة 2016. 3 - رجا بن مويشير ودوره في ضمِّ الجوف لحُكم الملك عبد العزيز). صدر عن دار جداول، 2015. 4 - (ذكريات عُمر أكلَته الحروف: النصُّ الأصلي والكامل. صدر عن دار جداول، 2022. أعاد فيه نشرَ أحد نصوص كتابات نجيب المانع. 5 - (نجيب المانع: حياته وآثاره) صدر عن دار جداول، 2022. والمسرد يطول، وربما استوعب المقال كله لو أردت الاستيعاب. بداية الصداقة أحمد الله سبحانه على أن وفقني برصيد كبير من الأصدقاء الأعزة في الرياض، بدأ تخلق نواته بعلاَّمة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، تلاه التربوي الشاعر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الرويس (رحمهم الله جميعًا)، وما زال الرصيد يتنامى حتى ظهر الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي، وتقتضي مشيئة الله تعالى أن يولد ولدان مصابان بمرض وراثي اضطرني للتردد على مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، والإقامة فيها في بعض الأحيان، وكما تقول الحكمة: (الخير في باطن الشر)، فقد كان الأستاذ أبو يعرب مصحوبا – دائماً - بالأستاذ السيف حين يأتي لزيارتي. هذه بداية الصداقة. اليد السحاب مرة كنت أفتش في ملفاتي فوجدت خطابًا من المجلة العربية مكتوب في مرفقاته رقم عدد من المجلة منشور لي مقال فيه. لم أعثر على العدد، فاتصلت بالأستاذ السيف مستعلمًا عنه. بعد أيام وصلني طرد كبير فيه العدد المطلوب، وعدد كبير من الأعداد والكتب. معروف أن دور النشر تعطي المؤلف عدة نسخ من 50 – 100، ولقاء كتابي عن الشاعر (خالد الفرج) أعطاني 200 نسخة، وقبل أيام بعث لي نسخ الأعداد المنشور فيها مقالاتي، ومعها عدد من أعداد المجلة، وآخر من الكتب. فأي كرم هذا الذي أسبغه عليَّ، وأي فضل؟ (1) ديوان أبي البحر الخطي، تحقيق: كاتب هذه السطور، نشر مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2005م، جـ1/225.