من عنيزة إلى الشاشة .. حكاية فنان صادق :

حمد المزيني .. المعلم الذي مهَد الطريق وتجاوز الأشواك .

رحل الفنان السعودي حمد المزيني، أحد الوجوه التي صنعت حضورها في زمنٍ لم يكن فيه الطريق إلى المسرح والدراما مفروشًا بالورد، بل كان محفوفًا بنظرات الريبة والاستخفاف. لم يُقرأ المزيني بقدر أعماله وحدها، بل بقدر زمنه، كونه صمد متحديًا تلك النظرة المجتمعية، ليبرز اليوم شاهدًا على جيلٍ شجاع دفع ثمن البدايات ومهّد لما تلاه من مسيرة الفن السعودي. لم يُنصف الراحل في حياته كما يستحق، لكنه سيبقى حاضرًا في ذاكرة الوسط الفني بما قدّمه من أعمال جسدت صدقه الفني واجتهاده الإبداعي. وُلد الفنان حمد المزيني عام 1945 في مدينة عنيزة، وبدأ حياته العملية معلمًا قبل أن ينطلق إلى عالم التمثيل في منتصف الثمانينيات الميلادية، وعلى الرغم من قصر فترة حضوره الفني مقارنة بجيله، إلا أنه ترك بصمة لا تُنسى من خلال أعمال تلفزيونية بقيت راسخة في وجدان المشاهد، من بينها: طاش ما طاش، وعائلة أبو رويشد، والدنيا دروب، غشمشم، والضيف الغريب، وفيما يلي بعض من شهادات من عاصره وصادقه وتعلم منه، توثق أثره الإنساني والفني: اليد التي أخذت بيدي الممثل محمد الكنهل وصف المزيني بالقامة والإنسان، مبينًا أنه كان سندًا له منذ التحاقه بجمعية الثقافة والفنون، فقدّم له الدعم والتشجيع، ووقف بجانبه في خطواته الأولى. وأشار الكنهل إلى أول عمل جمعه مع الفقيد المزيني كان مسلسل مقالب الحياة، من إنتاج الفنان عبد العزيز الهزاع، ثم توالت الأعمال التي كان فيها المزيني محفزًا وداعمًا بابتسامته الدائمة. وأضاف المزيني يُمثّل نموذج الفنان المكافح الذي بدأ من الأدوار الصغيرة (كمبارس) لأكثر من عشر سنوات، قبل أن يفرض اسمه بين الفنانين السعوديين الكبار، منوهً بدوره في مسلسل العاصوف الذي جسّد فيها شخصية متكاملة صدقها المشاهدون. صديق مقرب وعطاء لا يتوقف وعد المنتج علي الزهراني الفقيد حمد المزيني من الأصدقاء المقربين، مشيدًا بخلقه الرفيع وروح المودة التي كان يتعامل بها مع الجميع، ومعرفة دامت 38 عامًا تشاركا خلالها أعمالًا إذاعية وتلفزيونية، كان آخرها فيلم سينمائي جمعهما مع نخبة من الفنانين. وأضاف أن الراحل كان حريصًا على جودة العمل، وعلى التواجد في الأعمال التي تحمل قيمًا دينية واجتماعية، وقال: «زرناه خلال هذا العام ثلاث مرات، آخرها في المستشفى قبل وفاته بأسبوعين مع الزملاء محمد الكنهل ومحمد المنصور، فرحم الله الفنان حمد المزيني، الذي بقي شامخًا بصموده، بسيطًا بإنسانيته، كبيرًا بفنه، ومخلصًا لجيلٍ فتح أبوابًا صعبة ليصبح المسرح والدراما اليوم ميدانًا مشرعًا للأجيال القادمة». ضحكة لا تفارق محياه واستعاد الممثل فيصل الشهراني بداياته مع الراحل حمد المزيني منذ عام 1416للهجرة، حين جمعتهما حلقات توعوية لصالح الدفاع المدني، وقال: «تعلمت منه الكثير، وفي كل عمل شاركناه فيه أجد أبا وليد كما هو: ضحكته، ابتسامته، نصائحه الأبوية». وأكد أن المزيني كان من جيل الرواد الذين صنعوا لأنفسهم مكانة في قلوب العاملين في الوسط الفني قبل أن يصنعوا حضورًا في الأعمال التلفزيونية، مختتمًا: «إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا حمد لمحزونون». فنان بكل معنى الكلمة وقال المخرج سمعان العاني: « تعرفت على المرحوم الفنان الإنسان حمد المزيني عام 1398هـ في مسرحية قطار الحظ.، كان وقتها معلماً في المعهد الملكي، واختير بديلاً عن بطل المسرحية على الهويريني، الذي غادر للدراسة، ليؤدي شخصية أبو كريم. بينما كان النجم علي إبراهيم في دور حسن أبو فانوس. وأضاف « منذ اللحظة الأولى، لفتني أبو الوليد بموهبته وحضوره المسرحي المتميز، كان ملتزماً بالحضور والعمل، مجتهداً للتعلم، يسجل الملاحظات بدقة، ويصغي للتوجيهات باهتمام. في أدائه كان يوظف عقله وجسده وأحاسيسه معاً. واختتم « حمد المزيني رحمه الله، كان إنساناً متواضعاً، طيب القلب، محباً للآخرين، يحترم نفسه فاحترمه الجميع، لم يحمل أي نظرة سلبية تجاه أحد، خصوصاً في الوسط الفني، إلى جانب موهبته التمثيلية، كان شاعراً له قصائد جميلة، فناناً نادراً، ناكراً لذاته، مضحياً محباً لوطنه ومجتمعه وفنه. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته». أبا ومعلّم أجيال وعبّر الممثل عبدا لله الزهراني عن امتنانه للراحل بقوله: «كان أبا ومعلّمًا لأجيال تعاقبت على المسرح والتلفزيون والإذاعة، ودائمًا ما أذكر نصيحته الدائمة: «إذا ما تحس بالكلمة لا تقولها» في إشارة إلى صدق الأداء، فكان من أساتذتنا الذين أخذوا بأيدينا في بداية المشوار، فرحم الله أبا وليد وأسكنه الفردوس الأعلى».