في روايته الرابعة “فيلق الإبل”..
السماري يفتح دفاتر التاريخ بين العقيلات والجيش الأميركي.

صدر حديثا لدى دار تشكيل بالرياض رواية جديدة للروائي أحمد السماري بعنوان “فيلق الإبل”، وهي الرواية الرابعة في قائمة إصدارات المؤلف. يأتي هذا الإصدار في سياق انفتاح الرواية السعودية على مساحات غير مطروقة من التاريخ والخيال، وسعيها إلى ربط المحلّي بالكوني عبر استعادة وقائع منسية وإعادة صياغتها برؤية سردية معاصرة. تنهض الرواية على واقعة فريدة في تاريخ القرن التاسع عشر، حين حاول الجيش الأميركي إنشاء “فيلق الإبل” كجزء من مشروع لوجستي لتأمين الإمدادات في المناطق الصحراوية. هذا الاشتغال على التفاصيل الصغيرة يمنح الرواية ملمساً واقعياً، ويكشف قدرة الكاتب على تحويل الحكاية التاريخية إلى تجربة معاصرة يشارك القارئ في تأملها. وينطلق السماري من هذه الواقعة إلى بناء عالم روائي يتجاوز السرد التاريخي المباشر، ليحاور فكرة التبادل الحضاري والهجرة والاغتراب. يضع شخصية الحاج علي في مركز الحكاية، مستعيداً مساره من بريدة إلى صحارى الغرب الأميركي، جاعلاً منه رمزاً للانتقال بين جغرافيتين متباعدتين، وصوتاً يكشف عن مصائر أفراد تحوّلوا إلى جسور بشرية بين الشرق والغرب. تتسم الرواية بقدرتها على المزج بين البحث والتخييل، إذ اعتمد الكاتب على مراجع وصور ووثائق ومقابلات متخصصة، لكنه لم يكتف بالعرض التوثيقي، إنّما منح نصه حرية فنية جعلت من الماضي مادة قابلة لإعادة التشكيل، وفتحت المجال لطرح أسئلة فلسفية عن علاقة الفرد بجماعته، والمجتمع بالتاريخ، والذاكرة بالنسيان. هذه المقاربة تجعل “فيلق الإبل” عملاً يندرج في إطار الرواية التاريخية العربية التي لم تعد تعيد الماضي كحدث مغلق، وإنما تتعامل معه كبوابة لاستكشاف الحاضر واستشراف أسئلته. يأتي هذا الإصدار ليعزز حضور أحمد السماري في المشهد الروائي السعودي، إذ يواصل عبره مشروعه السردي القائم على التنقيب في مناطق مهملة من التاريخ وصوغها برؤية أدبية تعيد الاعتبار للإنسان العادي وسط تقلبات الزمن.