أحد عشر عامًا من المسيرة الثقافية والتراثية في عهد الملك سلمان حفظه الله.

جُبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على حب التاريخ وعشق الثقافة منذ نعومة أظفاره, فقد تربّى (حفظه الله) في مدرسة والده الملك عبدالعزيز (رحمه الله), وكل مَنْ حوله يُحَدّثُ بالتاريخ وبأخبار الماضي, وأحداث الحاضر القريبة من سِنِيِّيّ مولده ونشأته, وما فيها من أخبار عن جهود الوالد في توحيد المملكة, وعن علاقاته مع أحداث زمانه التي لا تزال قريبة العهد بذاكرهّ الشاب سلمان المتّقدة نباهة وذكاءً. يُضاف إلى ذلك شغفه بالقراءة الحرّة إلى درجة الإدمان, فقد كان على اطلاع واسع على المجلات الثقافية التي كانت تصدر في مصر ولبنان, وعلى رأسها مجلة الهلال الرصينة التي عَلِمْتُ أنه كان يقرؤها من الجلدة إلى الجلدة, وقد دفعه شغفه بالقراءة والاطلاع إلى تكوين مكتبة تعدّ من أكبر المكتبات الخاصة, ومن أكثرها غنى بكل ما هو نادر ومفيد في ميادين المعرفة الإنسانية. كل ذلك جعل الملك سلمان واحدًا من أكثر كبار الشخصيّات حبًّا للثقافة والتصاقًا بالمثقفين من سعوديين وعرب, فكان (حفظه الله) يدعوهم إلى داره, ويحتفي بهم, ويمازحهم ويحاورهم فيما يطرحون, ويناقشهم فيما يكتبون, وكانوا كثيرًا ما يستفيدون من أفكاره النَّيِّرة, وآرائه الصائبة, وهو (حفظه الله) وراء كثير من المناشط والمنجزات الثقافيّة في المملكة العربية السعودية, وعلى رأسها مكتبة الملك فهد الوطنية التي كان وراء تأسيسها, وظلّ يتولى الإشراف عليها, ويرأس مجلس أمنائها حتى عهد ليس بالبعيد, حينما عهد برئاسة مجلس أمناء المكتبة الوطنية إلى نجله ومستشاره صاحب السمو الملكي فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله. أما حبّه للتاريخ والمؤرخين فحدّث عنه ولا حرج؛ فالملك سلمان له في حفظ التاريخ وروايته وفهمه واستيعابه ونقده والاستدراكات على بعض الكتابات التاريخية قدم راسخ حتى استحقّ عن جداره وصفه بأمير المؤرخين, وأُطلق اسمه على عدد من الكراسي البحثيّة التي تُعنى بالتاريخ والحضارة في عدد من الجامعات السعودية, وللملك سلمان (حفظه الله) أفضال جُلَّى على التاريخ والمؤرخين, وعلى المثقفين بصورة عامة ليس أقلّها رئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز التي نهض بها نهوضًا غير مسبوق, ودعمها ودعم مشاريعها البحثية بكل ما يملك من جهد ووقت ومال حتى غَدَتْ الدارة واحدة من أهم المؤسسات البحثية والوثائقية على مستوى عالمي, فضلًا عن اضطلاعها بنشر العديد من المؤلفات والتحقيقات والترجمات والموسوعات ذات العناية بتاريخ الجزيرة العربية وحضارتها وتراثها وجغرافيتها وآدابها وتراجم شخصياتها. ذلكم هو الملك المؤرخ المثقف سلمان بن عبدالعزيز الذي عشق التاريخ والتراث والثقافة بصورة عامّة منذ صغره, وأولاها جانبَّا كبيرًا من اهتمامه قبل أن يصبح ملكًا، فما بالكم حينما يصل إلى سدّة الحكم؟ وتُلقي على عاتقه كل المسؤوليات في بلد مترامي الأطراف يعيش نهضة عمرانية وتنموية متسارعة تتطلّب منه حفظه الله التفاتة وعناية ومالًا وجهدًا لا يقواه إلا من كان في مثل همّة الملك سلمان وعزيمته ومقدرته، وما يتحلّى به من روح القيادة ومسؤوليات الحكم والإدارة، فكان أن ابتدأ حكمه باعتماد عشرة ملايين ريال لكل ناد من النوادي الأدبية في المملكة العربية السعودية غير موازنتها السنوية المعتمدة لها. وتجئ هذه المكرمة الملكيّة من لدن الملك سلمان لعلمه علم اليقين بأهمية الثقافة على مستوى البشرية، فما بالكم بالمملكة العربية السعودية، وهي مركز الكون، وقطب الرحى من العالم كله، ومهد اللغة العربية، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين في كل أنحاء المعمورة. أما الخطوة الثانية في البناء الثقافي للوطن في عهد الملك سلمان فتجئ مع تحويل مكونات وزارة الثقافة والإعلام إلي هيئات مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة، والاستقلال المالي والإداري، فكان أن أنشئت الهيئة العامة للثقافة بموجب أمر ملكي في 7 مايو 2016م، وأسندت إدارتها التنفيذيّة إلى المهندس أحمد بن فهد المزيد، ورئاسة مجلس إدارتها إلى الأستاذ عواد العواد الذي كان - حينذاك - وزيرًا للثقافة والإعلام، ومن مسؤوليتها إلى جانب عناصر الثقافة التقليديّة التي تعلّمناها، ونشأنا عليها ما يأتي: •الأفلام وصناعة الدراما. •المسرح والفنون الأدائية. •الفنون التشكيليّة. وهذا يعني أن الثقافة في العهد السلماني لم تعد شعرًا ونثرًا، وإنما هي تعريف جامع وشامل للفنون التشكيلية، والفنون التعبيرية، والآثار والتراث بشقيه المحسوس tangible، وغير المحسوس untangible، ولكل تلك العناصر جانب استثماري يؤّمل أن يوظّف، وأن يسهم بقوّة في تنويع مصادر الدخل للوطن, وفي توليد فرص عمل جديدة للشباب السعودي بنين وبنات, وتلك أفكار بنّاءة، وخطط طموحه مهمة ومدروسة، لحظنا بواكيرها على أرض الواقع، وهي صورة من صور التجديد والتحديث، والسير بخطى ثابته إلى ما يحمله روح العصر من وسائل التقدم العلمي والتطور التقني، والاستثمار الاقتصادي في ميادين أخرى واعدة آن الأوان لها أن تُفتح مع الحفاظ على الأصالة بما فيها من ثوابت دينية، وتقاليد مرعيّة للشعب السعودي الأصيل، وفي مقدمة متطلبات التحديث المنشود الأخذ ببعض وسائل الترفيه البريء، وهو مكوّن مهم من مكونات الثقافة لم يَعُد خافيًا على أحد، وهو نقلة نوعية في باب التحديث والتطوير, والعمل على تنويع مصادر الدخل الوطني الذي يميز هذا العهد السلماني المعضّد بهمة عالية من لدن شاب طموح، وممتلئ بالحيوية والنشاط، يعمل ليل نهار دون كلل, أو ملل, ذلكم هو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد, رئيس مجلس الوزراء, وعرّاب الرؤية السعودية الثاقبة 2030, الذي شمّر عن ساعد الجد والاجتهاد منذ أن تولى مسؤولية البناء والتطوير في عهد والده الملك سلمان (حفظهما الله جميعًا)، حيث نلحظ أن مشروعات سموه، وطموحاته التي لا تحدها حدود لم تترك جانبًا من جوانب التحديث والتطوير التي يحتاجها مجتمعنا إلا وطالته بما في ذلك الارتقاء بالثقافة بأصالتها ومعاصرتها, وبالموروث التاريخي والحضاري للوطن الذي يضرب بجذوره في أعماق الزمن السحيق. وقد قُدّر لي أن حضرت ورشة من ورش العمل التي نظمتها الهيئة العامة للثقافة في زمانها، واعْتَرَكْت مع المعتركين الذين كانوا يتحلّقون حول خمس منصّات ليس للأدب والشعر والنثر وثقافتنا التقليدية إلا منصّة واحدة. أما الأربع المنصّات الباقية فتوزّعت على المكونات الثقافية الأخرى بما فيها صناعة السينما التي أصبحت مطلبًا لكثير من أجيالنا الحاضرة، ومن سيتلوهم من أجيال في مستقبل أيام مملكتنا الباسمة إن شاء الله، وعلمت - حينذاك - أن المملكة ستستفيد من الخبرة الأمريكية في صناعة السينما، وكلّنا نعرف أن أمريكا تسيّدت العالم كلّه في هذه الصناعة، ومن الطبيعي أن تستفيد المملكة من الخبرة الأمريكية في صناعة السنيما بوصفها تقنية, أو تِقَانة وليس محتوى. لأن المحتوى عندنا - ولله الحمد - نختاره بعناية، وبما لا يتعارض مع ثوابتنا وقيمنا. وأما التقنية فلا شك أن أمريكا هي صاحبة القِدْح المعلى فيها على مستوى العالم. وما من شك أن هذه الخطوة من لدن سمو ولي العهد تدّل دلالة أكيدة على أن سموّه يقود انطلاقة قويّة، وعلى أسس علميّة ومنهجيّة في الأخذ بهذه الصناعة التي خُطّط لها أن تكون مع مناشط ثقافية أخرى إحدى مقوّمات اقتصاد بلادنا غير المعتمد على النفط، وهذا ما يسعى إليه سمو ولي العهد بخطى حثيثة بتشجيع من الوالد القائد، فكل مواردنا الثقافيّة بما فيها تنشيط السياحة بمختلف مقوماتها, كلها ستسهم دون شك في زيادة موارد بلادنا الاقتصادية، وفي توفير فرص عمل للآلاف من أبنائنا وبناتنا. وقد حقّقت رؤية المملكة 2030 - ولله الحمد والمنّة - كثيرًا من مستهدفاتها, وتجاوزتها ولمَّا يَمْضِ عليها كبير وقت بما فيها المستهدفات الثقافية. وعلى الرغم من ورش العمل التي عقدتها الهيئة العامة للثقافة في بعض مناطق المملكة، والنشاط المتسارع الذي أظهرته في عمرها القصير فإن القيادة (حفظها الله) رأت أنها دون الطموح، فأصدر الملك سلمان أمره الكريم بإنشاء وزارة الثقافة، وهو مطلب للمثقّفين منذ عقود طويلة، ولكنه لم يُفَعّل إلا في هذا العهد السلماني الزاهر، وألغى هذا الأمر الهيئة العامة للثقافة، واستبدل بها أحد عشر هيئة مستقلّة بحيث تتولى مسؤولية إدارة القطاع الثقافي والتراثي السعودي بمختلف تخصّصاته واتجاهاته، بحيث تكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدّد من قطاعات الثقافة بمفهومها الشمولي الذي أشرنا إليه سابقًا، وتتمتّع تلك الهيئات بالشخصية الاعتبارية العامة، والاستقلال المالي والإداري، وترتبط تنظيميًّا بوزير الثقافة الذي يرأس مجلس إدارة كل هيئة. وهذه الهيئات الجديدة هي: •هيئة الأدب والنشر والترجمة؛ ومن يتابع نشاطاتها يلحظ عن قرب نجاحها المنقطع النظير في تنظيمها لمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي يحلّ علينا موعده السنوي في المدة من 2 إلى 11 أكتوبر المقبل بعد أن أُعيد إلى رحاب جامعة الملك سعود بأمر من الملك سلمان الذي رعى (حفظه الله) أول معرض للكتاب أقيم في الجامعة عام 1972م دون أن نتجاهل جهود هذه الهيئة في إقامة معارض للكتاب في أمكنة أخرى من المملكة, وما تضطلع به من نشر علميّ وإبداعيّ. •هيئة الأزياء التي أعطت للأزياء السعودية بُعْدًا عالميًّا. •هيئة الأفلام التي أصبحت أفلامها المنتجة سعوديًّا تنافس على الأوسكار العالميّ. •هيئة التراث, وسيأتي الحديث لاحقًا. •هيئة فنون العمارة والتصميم •هيئة الفنون البصرية •هيئة المتاحف •هيئة المسرح والفنون الأدائية •هيئة المكتبات •هيئة الموسيقى •هيئة فنون الطهي والحديث يطول عن مناشط كل هيئة من هذه الهيئات الإحدى عشرة مما لا يتّسع له حيّز هذه المقالة الضيَّق, على أننا سنتوقف قليلًا عند هيئة التراث، وهيئة التراث كما يعرف الجميع هي في الأصل قطاع الآثار والمتاحف الذي كان مرتبطًا بوزارة المعارف (التربية والتعليم, ثم التعليم حاليًّا) تحت اسم: الإدارة العامة للآثار والمتاحف, ثم رُقّيت إلى وكالة مساعدة, ثم وكالة وزارة إلى أن ضُمّت إلى الهيئة العليا للسياحة تحت اسم: الهيئة العامة للسياحة والآثار, ثم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. وفي التنظيم الجديد الذي أصبحت السياحة بموجبه وزارة مستقلة، ضُمّت الآثار إلى وزارة الثقافة، فأصبحت هيئة من هيئاتها تحت اسم هيئة التراث كما قدّمنا، واتّسعت مهامها لتشمل التراث العمرانيّ, والتراث غير الماديّ, والحرف والصناعات إلى جانب الآثار التي هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالآثار, وحمايتها والمحافظة عليها، وإجراء المسح الأثري الشامل للمملكة العربية السعودية، وإصدار التراخيص للهيئات العلمية بالتنقيب عن الآثار في المواقع الأثرية التي تقع تحت مسؤوليتها. وقد شهدت الآثار في العهد السلماني الزاهر تطورًا ملحوظًا من حيث زيادة رقعة المسح الأثري الشامل، ومن حيث ازدياد عدد بعثات التنقيب عن الآثار في مختلف المواقع الأثرية في المملكة التي زاد عددها على أربعين بعثة أثرية للتنقيب بين سعودية صرفة، أو سعودية بالاشتراك مع بعثات أجنبية أمريكية وأوروبية وصينية ويابانية. وازداد عدد تسجيل المواقع الأثرية والتراثية السعودية في اليونيسكو فسُجّل حي الطُّرَيْف بالدرعية، والحجر أو مدائن صالح, وجدة التاريخية، وواحة الأحساء بالمنطقة الشرقية، وآبار حمى بمنطقة نجران, وجِبَّة والشُّوَيْمِس بمنطقة حائل, ومحميّة عروق بني معارض, والمنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية. ومن التراث غير المادي أمكن تسجيل العَرْضَة السعوديّة، والقَطّ العسيري، بالإضافة إلى ملفات أخرى قيد الإعداد والتقديم في التراث بشقيه المادي tangible وغير الماديuntangible . وشهد عهد الملك سلمان إقامة أول ملتقى عالمي للآثار في المملكة نظمته في الرياض الهيئة العامة للسياحة والآثار برعاية الملك سلمان نفسه، وحضور علماء ووزراء ومسؤولين كبار من مختلف أنحاء المملكة. وتواصلت المؤتمرات والندوات والملتقيات التي تُعنى بالتراث حتى إنك لا تخرج من مؤتمر إلا إلى آخر, ولا من ندوة إلا إلى ندوة أخرى, وآخر ما عقدته هيئة التراث من مؤتمرات مؤتمر الفاو الذي عُقد قبل أشهر من الآن. ومن المعالم الثقافية البارزة التي افتتحها الملك سلمان حفظه الله: مركز إثراء بالمنطقة الشرقية الذي يُعَدّ واحدًا من الصروح الثقافية والمنجزات الحضارية التي تُحسب لهذا العصر السلماني الزاهر. وامتاز عصر الملك سلمان (حفظه الله) بتأسيس عدد من الهيئات الملكيّة التي يقع مكوّن التراث والثقافة في صلب اهتماماتها، ومن تلك الهيئات، بوابة الدرعيّة، والهيئة الملكيّة للعلا، والهيئة الملكية لمكة المكرمة، بجانب مشروعات سياحيّة كبرى، ومنها القِدِّيَّة بالرياض، ونيوم بمنطقة تبوك، والبحر الأحمر وأَمَالَا بمناطق غرب المملكة العربية السعودية, والسُّوْدَة بمنطقة عسير. وكل هيئة من هذه الهيئات يجري العمل فيها حثيثًا، وقد شَهِدْتُ بنفسي مناشط بعضها، ومنها العلا التي تعمل فيها تحت إشراف الهيئة الملكية عدة فرق للتنقيب عن آثارها وتراثها، وتهيئتها للسياحة بتوفير بنية تحتيّة ستجعل منها إحدى أهم الوجهات السياحية في المملكة العربية السعودية كما أراد لها رئيسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله الذي جعل نُصْب عينيه أهدافًا على رأسها عدم ارتهان الدخل الوطني للمملكة العربية السعودية على سلعة واحدة هي النفط، وإنما هو يسعى حثيثًا إلى تنويع مصادر الدخل بالاستثمار في مواردها الثقافية والتراثية، وهي موارد غير قابلة للنفاذ كالنفط مثلاً الذي يُحَدِّث الخبراء بنضوبه بعد حين، أو بفقدانه لأهميته بوصفه وقودًا أحفوريًّا بسبب عوامل أخرى تنافسه تلك الأهمية, ومنها موارد الطاقة المتجددة ونحو ذلك. وهنا ستبرز أهمية موارد الثقافة عامّة، وعلى رأسها التراث الوطني بوصفه أهم مقوّم من مقومات السياحة المستهدفة بقوّة من لدن قيادتنا الرشيدة إدراكًا منها بأهميتها في زيادة موارد الدخل الوطني، وفي توفير فرص عمل كثيرة لأبناء الوطن وبناته، سيما وأن المملكة تمتلك من المقومات السياحية ما لا تتوافر في كثير من بلدان العالم. وما القرار الشجاع الذي اتخذته القيادة بفتح الباب للسياحة الخارجية إلا دليل على إدراكها لأهمية الاستفادة من هذا المورد المهم. أما في مجال التاريخ الذي أشرنا سابقًا إلى أنه العشق القديم الجديد للملك سلمان فنلحظ أنه (حفظه الله)، وعلى الرغم من مسؤولياته ومشاغله الجمّة ظل محتفظا برئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز حتى عهد ليس بالبعيد، فكان (حفظه الله) حريصًا على ترؤس اجتماعات مجالس الدارة السنويّة بنفسه على جرى عادته قبل أن يصل إلى سدّة الحكم. وفي كل عام يترأس فيه الملك سلمان المجلس توافينا الأخبار بقرارات داعمة لجهود الدارة في خدمة التاريخ والمؤرخين، وتطوير مراكزها وبرامجها البحثية، والارتقاء بمقررات التاريخ التي تُدرّس في التعليم العام والتعليم الجامعي، ومنها التاريخ الوطني الذي يؤمل أن يكون متطلبًا جامعيًّا لجميع الطلاب الدارسين في مختلف التخصصات بالجامعات السعودية. ومن القرارات المهمة التي أتخذها مجلس إدارة الدارة برئاسة الملك سلمان في أواخر جلساته السنوية التي انعقدت برئاسته (حفظه الله): تحويل مركز التاريخ السعودي الرقمي (رقمن) إلى المركز السعودي الرقمي لتحقيق أهداف دارة الملك عبد العزيز المرسومة بوجود مركز متكامل يحقق الشموليّة في نقل المحتوى السعودي إلى الصيغة الرقميّة بما في ذلك التاريخ السعودي، وذلك بغرض الإفادة منه في وسائل التواصل التقنية الحديثة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تنفيذ مبادرة تطوير الدراسات التاريخية الوطنية التي تهدف إلى تطوير جوانب المدرسة التاريخية السعودية لتكون رائدة ومؤثرة بما في ذلك تطوير المنهجية والبرامج العلمية والأكاديمية والارتقاء بمستوى أنشطة الجمعية السعودية التاريخية, وبرامجها للرفع من فاعليتها في الحركة العلميّة. وحرصًا من الملك سلمان على استمرارية الدارة في عطاءاتها, وعلى النهوض والارتقاء بأهدافها ورسالتها فقد عهد (حفظه الله) برئاسة مجلس إدارتها إلى نجله ومستشاره صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز لتكون الدارة جنبًا إلى جنب مع رئاسة سموه لمجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية. وأختم بذكر حدث علمي مهم كان أمنية للمثقفين، ولا سيما المهتمين والمتخصصين في اللغة العربية وآدابها، والذي طالما كُتب عنه في الصحافة المحلية من مطالبات كثيرة بتأسيسه على أرض الوطن أسوة بكثير من الدول العربية، وطالما أوصى به مجلس الشورى في بعض قراراته دون أن يُتَّخَذَ قرار رسمي بإنشائه إلا في هذا العهد السلماني المتّسم بسرعة اتخاذ القرارات التي فيها مصلحة للوطن والمواطنين على كل صعيد، ذلك هو مجمع اللغة العربية الذي ما أن عُرض أمره على القيادة حتى اتخذ مجلس الوزراء قرارًا بإنشائه في المملكة العربية السعودية تحت اسم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وذلك في جلسته المنعقدة في يوم الثلاثاء 14 محرم 1442هـ/ الموافق 02 سبتمبر 2020م، وهو إحدى المبادرات الاستراتيجية الوطنية لوزارة الثقافة، ويهدف إلى أن يكون مرجعيّة عالميّة لخدمة اللغة العربية من خلال حمايتها ونشرها والارتقاء بها, وتصحيح الأخطاء الشائعة في بعض الألفاظ والتراكيب اللغوية، وذلك إلى جانب كثير من المهام العلمية والثقافية التي يتعين عليه الاضطلاع بها، والتي يطول ذكرها في هذا المقام.