
اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعون يأتي بملامح متصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، يوم تتجدد فيه الذكرى وتستيقظ معه رموز العزة والكرامة التي زرعها المؤسس وواصلها أبناؤه من بعده حتى غدت المملكة عنوانًا للوحدة والقوة، وتحت شعار هذا العام «عزّنا بطبعنا» تتضح المعاني الكبرى التي تميز هذه الأرض وأهلها، من كرمٍ أصيل وأصالة راسخة، إلى طموحٍ يتطلع إلى الغد بعيون واثقة. الكرم السعودي يطل من جهتين متكاملتين، على مستوى الدولة وعلى مستوى الشعب. في جانب الدولة هو سياسة عطاء ممتد، يتجلى في المبادرات الإنسانية التي وصلت إلى بلدان بعيدة، وفي المواقف المشرّفة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي الدعم الصحي والتنموي والإغاثي الذي وضع المملكة في مقدمة الدول المانحة. ذلك العطاء يعكس شعورًا عميقًا بالمسؤولية ورسالة حضارية لا تُقاس بموازين المال وحدها، وإنما بروح إنسانية ترى الخير التزامًا أصيلًا. وعلى مستوى الشعب يظهر الكرم في تفاصيل الحياة اليومية، والكرم في هذه الأرض طبع، لا يحتاج إلى تكلف ولا إلى تذكير، هو مثل النخلة في صحرائها، راسخ العود، طيب الثمر. الأصالة السعودية تبدو في التعامل البسيط وفي احترام الكبير والترحيب بالضيف وفي صدق الموقف والوفاء بالعهد، وهي خصال لم تبهت مع تغيرات الزمن، بل ازدادت حضورًا. فحين يلتقيك الإنسان السعودي بوجه طلق ولسان عذب تشعر أنك أمام شخصية لم تنفصل عن جذورها، وأنها ما زالت تحمل في تفاصيلها إرث البادية والحاضرة معًا. وقد وصف الشعراء الكرم والأصالة بأنهما تاج العرب، يجعلان من العطاء أسلوبًا دائمًا في المعاملة. ومن أبهى صور الكرم التي تتوارثها الأجيال خدمة ضيوف الرحمن في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث تقف المملكة بكل أجهزتها وشعبها لتقدم أعظم صورة من صور الرعاية والعناية. ملايين الحجاج والمعتمرين يجدون أنفسهم في حضرة عناية استثنائية، تتجسد في توسعة الحرمين، والخدمات الطبية المتاحة، والتنظيم المحكم للحشود، والمساعدات التي تُقدَّم بلا انتظار مقابل. خدمة الحرمين هي شرف خالد، تاج على رأس المملكة، ومسؤولية تراها البلاد بركة وفضلًا عظيمًا، وحكاية لا ينقطع فخرها مع مرور السنين. حين نتأمل المستقبل ندرك أن ما ينتظر المملكة لا يقل عظمة عما تحقق، فقد قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عبارة أصبحت رمزًا لطموح جيل كامل: «القادم في العشر سنوات القادمة يوازي الثلاثمائة سنة الفائتة». كلمات تختصر حجم التحول الذي تصنعه رؤية 2030، من تنويع مصادر الدخل إلى بناء مدن ذكية ومشاريع عالمية، من الطاقة المتجددة إلى التحول الرقمي، ومن تعزيز الهوية الثقافية إلى فتح آفاق جديدة في السياحة والرياضة والفنون. إنها مرحلة ستعيد رسم صورة المملكة للعالم أجمع، لتقول إن الطموح على هذه الأرض لا يتوقف عند حد. في اليوم الوطني الخامس والتسعين يتجدد الفخر بهذا المزيج الفريد: كرم الدولة الذي يمتد إلى أبعد نقطة على وجه الأرض، وكرم الشعب الذي يعكس طبعًا فطريًا جميلًا، وأصالة الهوية التي تصون قيمها بصدق، وخدمة الحرمين التي تُعطي البلاد مكانتها الروحية الخالدة، وطموح القيادة والشعب الذي يفتح أبواب المستقبل. كل ذلك يجعل من ذكرى اليوم الوطني لحظة التقاء بين الجذور العميقة والرؤية البعيدة، بين عز الماضي وثقة الحاضر وأمل الغد، كأن السعودية تقول للعالم إن عزها باقٍ بطبعها، وإن القادم أجمل ما دامت الأطباع الطيبة هي مصدر العز.