أسس صحيفة الجزيرة ومنح جائزة الدولة التقديرية ..

عبدالله بن خميس.. مجدُ يتجدَد في الأدب والصحافة.

تتعدد مجالات الإبداع التي تألق فيها الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله، فهو يعد أحد رواد العمل الصحافي وأحد كبار الأدباء والمؤرخين والجغرافيين والباحثين والشعراء في المملكة العربية السعودية، وهو مؤسس صحيفة الجزيرة، وكان له برنامج من أنجح البرامج في تاريخ الإذاعة، وكل ذلك أكسبه تميزاً فريداً وجعله في طليعة رواد الأدب والثقافة في بلادنا. ولد عبدالله بن محمد بن خميس في قرية الملقى، احدى قرى محافظة الدرعية، بمدينة الرياض عام 1339هـ (1919م) وأسرته أصلها من الأفلاج، وقد انتقلت إلى الدرعية وهو طفل صغير فتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، ملازماً لوالده الذي كان يملك حظاً طيباً من العلم، خصوصاً في التاريخ والأدب، فقرأ كثيراً من كتب التاريخ والأدب والشريعة، وحفظ أجزاء من ‏القرآن الكريم، وبدأ نبوغه مبكراً واهتمامه بالعلم والأدب والشعر. وعندما أنشئت مدرسة دار التوحيد في الطائف عام 1364هـ، التحق بها مع أنه لم يكن يملك شهادة التعليم الابتدائي، بيد أنه أثبت تفوقه العلمي والأدبي فعيّن رئيساً للنادي الأدبي بالمدرسة طيلة فترة دراسته بها وكان يلقي بها العديد من قصائده، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية عام 1369هـ درس في كليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة، وتتلمذ على أيدي الكثير من المشايخ من أبرزهم الشيخ عبدالله الخليفي، والشيخ عبدالله المسعري، والشيخ مناع القطان، والشيخ محمد متولي الشعراوي وغيرهم، ونال شهادة من الكليتين في عام 1373هـ. بعد ذلك وفور تخرجه، بدأ بن خميس مشواره العملي فتم تعيينه مديراً لمعهد ‏الأحساء ‏العلمي وفيها أصدر مع طلابه مجلة “هجر” عام 1376‏‎هـ، ثم عين ‏مديراً لكليتي ‏الشريعة واللغة بالرياض عام 1375هـ، ثم مديراً ‏عاماً لرئاسة ‏القضاء بالمملكة عام 1376هـ، بعدها صدر مرسوم ‏ملكي بتعيينه ‏وكيلاً لوزارة المواصلات عام 1381هـ، ثم عين رئيساً ‏لمصلحة المياه ‏عام 1386هـ، قبل أن يقدم طلباً ‏للتقاعد ‏من أجل التفرغ للبحث والتأليف عام 1392هـ. كان عبدالله بن خميس عضواً في كل ‏من مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة ‏العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي ‏العراقي، ومجلس الإعلام الأعلى، ومجلس إدارة ‏دارة الملك عبدالعزيز، ومجلس ‏إدارة المجلة العربية، ومجلس إدارة مؤسسة ‏الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، ‏وجمعية البر بالرياض، وهو أول رئيس للنادي ‏الأدبي بالرياض، كما مثل المملكة في العديد من المناسبات الثقافية والأدبية. تعلق بالشعر والأدب منذ طفولته، وفي سنيّ دراسته كان يشعر بالبهجة كلما نشرت له قصيدة في إحدى الصحف، وأولها (أم القرى) التي نشرت له إنتاجه الشعري المبكر، كما نشرت له قصائد في جريدة المدينة والبلاد والمنهل وغيرها، كما عمل في تصحيح بعض الصحف وتدقيقها لغوياً، بعدها حظي وزميله ‏‏عثمان بن إبراهيم الحقيل، بالسلام على الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عام ‏‏1367هـ، ‏وألقيا في حضرته قصيدتين، وكان مما قاله ابن خميس أمام الملك المؤسس في قصيدة تحث على العلم: ليس الحياة كما توهم جاهلٌ*** عيش الكفاف ومستوى محدودا إن الحياة هي الصراع فكن بها*** أسداً يصارع أَذْؤُباً وأُسودا كما كان ابن خميس من أوائل من نادوا بتعليم الفتيات حيث قال في قصيدة ألقاها بمناسبة تولي خادم الحرمين الملك فهد وزارة المعارف في حفل أقيم له: يا نصير العلم هل من شرعةٍ *** تمنع التعليم عن ذات الخبا إنها في ذاتها مدرسةٌ *** إن خبيثاً أنجبت أو طيبا فمعاذ الله أن تبقى بنا *** دُميةً للهو فينا تُجتبى وإذا ما ثقفت فتياننا *** أعلنوا ضد النساء الحَرَبا وانبرى كلٌ يقاسي دهره *** ويعيش الشعب فينا أعزبا ومما قال في قصيدة له عن جبل طويق: يا جاثماً بالكبرياء تسربلا *** هلاَّ ابتغيت مدى الزمان تحولا شاب الغُرابُ وأَنّتَ جَلْد يافعٌ *** مـا ضعضعـت منـك الحوادث كاهـلا ترنو إلى الأجيال حولك لا تني *** تَتْرى على مر العصور تداولا مثل الضيوف المُعْتَنِين فقادمٌ *** ألقى بكلكله وذاك تحملا تنتابهم سُودُ الخطوب عواتياً *** وتمر أحقاب السنين جوافلا وأراك معتدلَ المناكبِ سامقاً *** تبدو بك الشُم الرِعان مواثلاَ مؤلفاته أثرى الشيخ عبدالله بن خميس المكتبة العربية بالعشرات من الكتب في الأدب ‏والشعر ‏والتراث ‏والتاريخ والرحلات، ومن أبرز مؤلفاته: ‏‏ - تاريخ اليمامة (سبعة أجزاء) - المجاز بين اليمامة والحجاز. -على ربى اليمامة. (ديوان شعر). - من القائل (أربعة أجزاء). -معجم اليمامة (جزآن). - معجم جبال الجزيرة (خمسة أجزاء). - معجم أودية الجزيرة (جزآن). -معجم رمال الجزيرة. - راشد الخلاوي. - الشوارد (ثلاثة أجزاء). - من أحاديث السمر. - الدرعية. - شهر في دمشق. -محاضرات وبحوث. - من جهاد قلم. - فواتح الجزيرة. - أهازيج الحرب أو شعر العرضة. - الأدب الشعبي في جزيرة العرب. - بلادنا والزيت. - الديوان الثاني. - رموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح. - جولة في غرب أمريكا. - تنزيل الآيات. - شواهد الكشاف. - إملاء ما منَّ به الرحمن (جزآن). - أسئلة وأجوبة. أدب الرحلات والمعاجم الجغرافية هذا الضرب من ضروب الأدب له رجاله الذين يمتازون بأسفارهم وجولاتهم داخل الوطن وخارجه، ويأتي في مقدمتهم عبدالله بن خميس الذي كتب في مذكراته عن أسفاره ورحلاته، ومنها أنه التحق بحملة السلاح في الجندية فرحل إلى حائل ودخل مدرسة سليمان بن سكيت - رحمه الله – وعن ذلك قال ابن خميس: “وكانت هذه الخطوة في التعليم سبباً في طمعي بما هو أعلى وأغلى، وكانت أيامي التي قضيتها بحائل أعطتني دروساً وتجارب مع الرفقة التي عشت معهم هذه المدة”. وبعد تجربته في حائل، انضم ابن خميس إلى جباية الزكاة من القبائل، وساهم عمله الجديد في زيارته للعديد من البلدان والقرى والهجر، وقد كتب عن ذلك قائلاً: “كانت هذه الفرق كلها تستعمل الإبل في جباية الزكاة من الرياض إلى الحجاز، ولقد صحبت هذه الفرق أربع سنوات، جزت خلالها أنحاء المنطقة الوسطى حيناً مع فرقة البواردي، وحيناً في فرقة محمد آل الشيخ، وحيناً في الفرقة الأم، وحيناً في أحد الفروع، ولقد جرى لي في هذه الفترة التي أقضيها مع جباة الزكوات شؤون وشجون وذكريات وانطباعات ساعدتني على ما كتبته عن جغرافية الجزيرة العربية في كتبي، وما دونته في معجم جبال الجزيرة، وما لاقيته من تعب ونصب ومشقة على ظهور الإبل أمضي الليالي تلو الليالي بالسهر في الانتقال من ماء إلى آخر”. ولم تقتصر رحلاته في جباية الزكاة على منطقة نجد بل انضم كاتباً لجباية الزكاة في الأحساء ومنطقة الصمان، وكان ابن خميس حريصاً على تدوين ملاحظاته التي أسهمت فيما بعد في تأليفه لعدة كتب منها معجم اليمامة، ومعجم جبال الجزيرة، ومعجم أودية الجزيرة، ومعجم رمال الجزيرة. قصة إصدار (الجزيرة) في عام 1379هـ، رأى الشيخ عبدالله بن خميس أن الساحة المحلية تفتقد لإصدار ثقافي متخصص على الرغم من كثرة الصحف والمجلات في ذلك الوقت، فعزم على إصدار مجلة تحمل اسم (الجزيرة)، والبداية كانت من منزله في شارع الخزان بالرياض، حيث كان الأدباء يتوافدون عليه كل مساء، وبعد مشاورات ومباحثات مع الشيخ عبدالعزيز المسند والشيخ عثمان الصالح والشاعر محمد المسيطير والأساتذة عبدالرحمن المعمر ومحمد بن عباس ومحمد الحمدان، ظهرت فكرة المجلة التي ولدت عملاقة، حيث دعا الشيخ عبدالله بن خميس ومن معه رجالات الأدب والثقافة والفكر لنشر مقالاتهم ومشاركاتهم في المجلة الفتية، فاستجاب له عدد كبير وبدأت المقالات تتوافد على الشيخ ابن خميس وفريق عمله، إلى أن باتت مجلة الجزيرة تحظى باسم ومكانة في المشهد الثقافي. وعن تلك البدايات كتبت صحيفة (الجزيرة) “أن المجلة قد كبرت واستقر اسمها في الأذهان وأصبحت ذات قيمة ثقافية وفكرية، فاستأجر لها الشيخ ابن خميس دكاناً في شارع السويلم لتكون ذات مقر وكيان مستقر، ولما تضاعفت أسرة التحرير وكَثُر عدد زوارها انتقل مقرها إلى شقة متواضعة في شارع الظهيرة، خرجت «الجزيرة» المجلة وصدر عددها الأول في شهر ذي القعدة عام 1379ه الموافق ابريل 1960م، وكان الشيخ ابن خميس يحرص على أن تكون المواد المنشورة من شتى أنواع الثقافة والفنون والآداب. ولأهمية العدد الأول من هذا الإصدار نجد أن الأسماء المشاركة في إعداد مواده هي نخبة من الأدباء كالأستاذ مصطفى صادق الرافعي والشيخ حمد الجاسر والأستاذ فهد المبارك وغيرهم”. وعن نشأة مجلة (الجزيرة) كتب الدكتور عبدالرحمن الشبيلي: “بعد أن أصدر حمد الجاسر “مجلة اليمامة”‏ في أغسطس ‏‏1953م، أصدر عبدالله بن خميس المطبوعة الأهلية الثانية مجلة “الجزيرة” ‏الشهرية الأدبية الاجتماعية، في عددها الأول في أبريل 1960م، وكان رئيس ‏تحريرها، واستمرت هاتان المطبوعتان الأهليتان اليمامة والجزيرة في الصدور ‏حتى اليوم، بعد أن تحولتا إلى مؤسستين عملاقتين يشارك في ملكيتهما مجموعة ‏كبيرة من المثقفين والمستثمرين، وأصبحتا تنشران إصدارات صحفية وثقافية ‏أخرى، كما برزت جهود الشيخ عبدالله بن خميس الإعلامية في كتاباته المبكرة، ‏وإصدار مجلة “هجر” في الأحساء. وبدأت فكرة إنشاء صحيفة “الجزيرة” - بدأت كمجلة - من دار عبدالله بن خميس في شارع الخزان بالرياض، بتشجيع من ‏محبيه وزملائه وتلامذته، ومنهم عثمان الصالح وعبدالعزيز المسند ومحمد ‏المسيطير - الشاعر - وعبدالرحمن المعمر، واتخذت الجريدة دكاناً في شارع السويلم ‏مقراً لها، واختارت مطابع “الرياض” التي كان يديرها حمد الجاسر لطباعة ‏أعدادها، ومع انتقاله إلى عمله الجديد وكيلاً لوزارة المواصلات، أسند ابن خميس ‏إدارة التحرير إلى تلاميذه الصحفيين، مكتفياً بالإشراف العام عليها بوصفه صاحب ‏الامتياز مع استمراره في كتابة المقال الافتتاحي.” وعن تحول مجلة الجزيرة إلى صحيفة، قال الدكتور عبدالرحمن الشبيلي: “عقب صدور نظام المؤسسات الصحفية في 24 /8 / 1383هـ، دعا عبدالله بن خميس ‏مؤسس “الجزيرة” مجموعة من كُتاب مجلته ومن رجال الثقافة والأعمال إلى ‏اجتماع عقد في شهر رمضان المبارك في داره بشارع جرير في الملز بالرياض، ‏وتقدموا بتاريخ 14 /9 / 1383هـ بطلب إلى وزارة الإعلام وقعه ثلاثون مؤسساً ‏لإنشاء مؤسسة تصدر جريدة يومية تحمل الاسم القديم نفسه “الجزيرة” ومجلة ‏شهرية باسم “المجتمع”، فوافقت الوزارة بتاريخ 10 /11 / 1383هـ‎.‏ بعدها عقدت ‏الجمعية العمومية اجتماعها الأول، لوضع تصوراتها المالية والإدارية والتحريرية ‏والفنية للمؤسسة، وانتخب عبدالله بن خميس مديراً عاماً للمؤسسة وعبدالعزيز ‏السويلم رئيساً لتحرير “الجزيرة”، واختير مقر المؤسسة في مبنى تجاري بالصفاة، ‏كانت تملكه بلدية الرياض، وصدر العدد الأول من “الجزيرة” يوم الثلاثاء ‏‏30 /6 / 1964م، واستمرت تصدر كل ثلاثاء لمدة ثمانية أعوام ونصف العام، ثم يومياً من ‏الأربعاء 20 /12 / 1972م‎، وكان للشيخ ابن خميس رأي في الصحافة وما ينبغي أن ‏يكون عليه منهاجها، وهو أن الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، ‏وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والأنانيات ‏والنعرة الطائفية، صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود”.‏ (من القائل)؟.. برنامج ثم كتاب أما برنامجه الإذاعي الشهير (من القائل) فكان حديث الناس وحقق شهرة كبيرة في المملكة وخارجها بسبب الأسلوب العلمي الذي انتهجه ابن خميس، وتفاعله المحبب مع المشاركين حيث كان يتقبل مشاركاتهم حول الشعر والأمثال والأدب العربي والشعبي على حد سواء، ويصححها ويجيب على أسئلتهم بكل رحابة صدر، وقد استمر بثه لمدة أربع سنوات أذيعت خلالها أكثر من 70 حلقة منه، وبعدها أصدر كتاباً من أربعة أجزاء تضمن ما ورد في البرنامج، ‏وكان له أيضاً برنامج تلفزيوني آخر اسمه “مجالس الإيمان”. تكريم وجوائز نال الشيخ عبدالله بن خميس جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1403هـ (1982م)، وفي مهرجان الجنادرية الـ 17 عام 1422هـ اختير ليكون (الشخصية الثقافية) المكرمة، ومنح ‏وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، كما حصل على وسام ‏تكريم وميدالية ‏من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1410هـ، وحصل على ‏”وشاح فتح” وميدالية من منظمة التحرير الفلسطينية، كما تم تكريمه بوسام الشرف ‏الفرنسي بدرجة “فارس” من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا ‏ميتران، وحصل ‏على “وسام الثقافة” من تونس، ‏وشهادة تكريم من ‏أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في ‏مناسبة ‏الاحتفاء برواد العمل الاجتماعي من دول الخليج العام 1407هـ، ‏بالإضافة إلى ‏ العديد من الجوائز والميداليات والشهادات والدروع في محافل ‏ومناسبات ‏عدة. وفاته انتقل الشيخ عبدالله بن خميس إلى جوار ربه في الخامس عشر من شهر جمادى الثانية العام 1432هـ، الموافق 18 من شهر مايو ‏‏2011م، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في أحد مستشفيات العاصمة الرياض بعد معاناة مع المرض، عن ‏عمر ناهز 91 عاماً، ‏‎كانت حافلة بمساهمات جليلة في مجالات الصحافة والأدب والثقافة. وقبل وفاته كان قد أوقف مكتبته الخاصة على مكتبة الملك فهد الوطنية، وكانت مكتبته الخاصة زاخرة بالمراجع والنوادر التي جمعها وجلبها من كل مكان، ويزيد عددها عن 7 آلاف كتاب.