أ.د. محمد الفيصل يحلّل خطاب خادم الحرمين ..
كتاب جديد يرصد (الخطاب السياسي في خطب الملك سلمان بن عبدالعزيز) .

صدر كتاب: (الخطاب السياسي في خطب الملك سلمان بن عبدالعزيز)، للبروفيسور د.محمد بن عبدالعزيز الفيصل، أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية وعميدها الأسبق، ومدير التحرير للشؤون الثقافية بصحيفة الجزيرة، ليكون كتاب المجلة العربية، ويتناول هذا الكتاب خطاب الملك سلمان السياسي ملك المملكة العربية السعودية، لتكون الخطابات الملكية بمجلس الشورى خلال دوراته الثلاث في الأعوام: “1436هـ، 1441هـ، 1444هـ”، هي مدونة الدراسة، التي سيبحثها في فلك الدرس التداولي؛ الذي يحلل الخطاب ليكشف مواطن قوته، وستتجه الدراسة فيه إلى حضور الأفعال الكلامية في خطاب خادم الحرمين الشريفين السياسي، إلى جانب البحث في مقاصد أفعال الكلام فيه، كذلك سيُمهّد الكتاب للقارئ بحديث عن الخطاب السياسي السعودي ونشأته، إلى جانب إلقاء الضوء على أبعاده، وستتضمن الدراسة الإشارة إلى هموم هذا الخطاب في الدفاع عن قضايا الوطن، وقضايا الأمتين العربية والإسلامية؛ وما سيترتب على ذلك من زيادة ارتباطه بالمتلقين وتأثيره فيهم. وينطلق المؤلف في تمهيد من المفهوم والنشأة التاريخية للخطاب السياسي السعودي منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ، مؤكدًا أنّ هذا الخطاب ارتبط بثوابت الحكم ومرجعياته الدينية والقيمية عبر أطوار الدولة الثلاثة. ويرى الفيصل أن الخطاب السياسي، بما يمتلكه من سلطة رمزية وشرعية، يخلق بيئة تفاعلية بين الحاكم والمحكوم، وأنّ تميّز النسق السعودي نابع من ثبات المرجعية الدينية والعدلية ووضوح المقاصد، بعيدًا عن البراغماتية المتقلبة في تجارب أخرى. وفي القسم الخاص بأبعاد خطاب الملك سلمان السياسي، يرصد الكتاب ثلاثة محاور بارزة تتكرر في الخُطب الملكية محل الدراسة: البعد السياسي، والبعد الديني، والبعد الاجتماعي. ففي البعد السياسي، يبرز التأكيد على التزام المملكة بالمواثيق الدولية واحترام السيادة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. أما البعد الديني، فيتجلّى في ربط نهج الدولة منذ التأسيس بتطبيق الشريعة والتمسّك بالعقيدة وإقامة العدل، وهو ما يمنح الخطاب قوة حجاجية مضاعفة لرسوخ قيمه لدى المتلقين. ويكمل ذلك البعدُ الاجتماعي عبر خطاب مباشر للمواطنين، يضعهم «محور الاهتمام» ويؤكد رعاية الدولة لكرامتهم وتيسير سبل عيشهم. ويتعمّق الكتاب في تحليل «الأفعال الكلامية» داخل الخطب الثلاث، بوصفها عصب الدراسات التداولية ومفتاح قياس الأثر الإنجازي للخطاب. ويقف على التوجيهيّات (Directives) التي تتجه إلى حمل المخاطَبين على فعلٍ ما؛ مثل التأكيد على الوزراء والمسؤولين مضاعفة الجهود لخدمة المواطن ومراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية وتعزيز الاختصاصات لمكافحة الفساد. كما يتناول «الوعديّات» (Commissives) حين يُلزم المتكلم نفسه بتحقيق أعمال محددة؛ مثل مشاريع توسعة الحرمين، وإعادة هيكلة تأشيرات الحج والعمرة، ورفع الطاقة الاستيعابية للمعتمرين ضمن مستهدفات 2030. ويقرن الفيصل هذه الوعود بما تحقق فعليًا على الأرض، ليدلل على اتساق القول مع الإنجاز. ويتوقف المؤلف كذلك عند «التعبيريّات» (Expressives) التي تعكس الحالة الوجدانية للمخاطِب، وتشي بقربه من الناس وثقته بهم، مثل العبارات التي تساوي بين المواطنين والمناطق وتدعو إلى تلقي الأفكار والمقترحات، بما يعزّز الثقة ويحوّل الخطاب من سلطة أحادية إلى عقد تفاعلي. كما يعرض «الإخباريات/الإيقاعيات» (Assertives) التي تُطابق مضمونها الواقع وتؤدي وظيفة الإخبار والإفهام؛ من قبيل تثبيت مواقف المملكة في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، والانضمام لهيئات دولية مختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ومن زاوية المقاصد، يخلُص الكتاب إلى أن الخطب الملكية محل الدراسة ترسّخ أربع غايات كبرى: تعزيز العدل والمساواة بوصفهما قاعدة الحكم وشرطه الأخلاقي؛ إشهار المواقف السعودية الثابتة تجاه قضايا الأمة والعالم، وعلى رأسها فلسطين؛ ترسيخ مبادئ الأمن والاستقرار داخليًا وإقليميًا ودوليًا عبر لغة تدعو إلى الحكمة والحوار وتنبذ التصعيد؛ ثم وظيفة الإخبار العام التي تسد منافذ التأويل المغرض، وتضع الحقائق من مصدرها بين يدي الرأي العام. ويؤكّد الفيصل أنّ قوة الخطاب السياسي في هذه الخطب لا تنفصل عن شخصية منشئه؛ فكلما رسخت مرجعية المتكلم وتعزز حضوره الرمزي والعملي، ارتفعت طاقة الخطاب الإنجازية. ويُظهر تحليل الخطب الثلاث أن خطاب الملك سلمان يجمع بين الاتزان والحكمة والصدق ومراعاة مقتضى الحال، ويُحسن توظيف أدوات الحجاج والتكرار بهدف تثبيت الرسائل المحورية لدى جمهور واسع متعدد المشارب. ويأتي الكتاب في مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة؛ يتناول الأول حضور الأفعال الكلامية وأنماطها وأثرها في التأثير والإلزام، فيما يدرس الثاني مقاصد الخطاب وغايته الاستراتيجية في بناء «سردية دولة» متماسكة تربط الماضي المؤسِّس بالحاضر المنجز والمستقبل المنشود. وتنتهي الدراسة إلى توصيات بحثية تدعو إلى توسيع «الأرشفة العلمية» لخطب الملك سلمان منذ مراحل مبكرة من مسيرته، وجمعها وتحليلها بأطر منهجية متعدّدة، والنظر إليها بوصفها وثائق دالة على قوة الخطاب السياسي السعودي وتاريخه وتحوّلاته. بهذه المقاربة التداولية، يضع أ.د.محمد بن عبدالعزيز الفيصل بين يدي القارئ والباحث معًا خارطةً دقيقةً لفهم خطاب الدولة تحت قبة الشورى: كيف تُبنى الجملة السياسية، وما الذي تُنجزه حين تُقال، وكيف تُقاس فاعليتها في الواقع وفي وعي المتلقين. إنها دراسة تُضيء «لغة الدولة» حين تخاطب مواطنيها والعالم، وتكشف سرّ نفاذها: ثبات المرجعية، ووضوح المقصد، وصدق الإيقاع بين القول والفعل.