
قام مؤلف الكتاب د أحمد إبراهيم أبو شوك بجمع كل ما نُشر في مجلة المنار عن السعودية والملك عبدالعزيز، وتضمن ذلك مقالات صاحب المنار محمد رشيد رضا، وخطب الملك عبدالعزيز والملك سعود عندما كان وليا للعهد، والأخبار المهمة عن الدولة السعودية، والمعاهدات والرسائل بدءا من عام 1902 حتى عام 1935، ويخرج قارئ الكتاب بانطباع أن مجلة المنار كانت صوتا قويا للملك عبدالعزيز في العالم العربي والإسلامي. يري البعض أن محمد رشيد رضا قد تناقض مع نفسه حين انتقل من المدرسة الفكرية للشيخ محمد عبده إلى المدرسة الفكرية السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكن المؤلف يبين أن الرجل كان منسجما مع نفسه وفكره، فقد ناصر حركة الاتحاد والترقي في تركيا ضد السلطان عبد الحميد ظنا أنها حركة إصلاحية، لكن توجهات الحركة العنصرية الطورانية جعلته يفقد الثقة فيهم، فتحول إلى تأييد الشريف حسين في مكة آملا أن يتمكن من قيادة العالم الإسلامى بعد تداعي الحكم العثماني، لكنه سرعان ما اكتشف عدم كفاءته القيادية، وتبعيته للإنجليز، ثم تواصل مع الملك عبد العزيز فوجده جديرا بأن يعلق عليه آماله في التصدي للتحدي الاستعماري الأوروبي، وتحقيق استقلال ووحدة الجزيرة العربية لتصبح مركزا تجتمع حوله أقطار العالم الإسلامي، لتحقق من خلال ذلك استقلالها واستعادة دور العالم الإسلامي القيادى بين التكتلات الدولية. ينتظم الكتاب على أربعة محاور، الأول حول مجلة المنار وصاحبها والقضايا التي تبنتها خلال عمرها الذي بلغ سبعا وثلاثين عاما، المحور الثاني يقدم محطات من سيرة الملك عبدالعزيز التي أسست عليها المنار مفردات تأييدها له، ومهاجمة خصومه الذين تآمروا مع المستعمر الذى أدى بهم إلى إضاعة مصالح المسلمين، المحور الثالث يحلل الوثائق التي وردت في المنار، وطبيعة الرسائل التي بثتها المنار من خلال عرضها لهذه الوثائق، وتأثيرها على الحراك السياسي القائم، وعرض الواقع التاريخي الذي أسهم في بلورة موقف المنار المؤيد للملك عبدالعزيز ودعوته السلفية، ومساندته لقيام المملكة العربية السعودية. والمحور الرابع توثيق وتراجم تتعلق بالأحداث والشخصيات التي مرت من خلال الكتاب. محمد رشيد رضا صاحب المنار، سوري ولد في نواحي طرابلس، تنتمي أسرته إلى الحسن بن على رضي الله عنه، دارس للشريعة مهتم بتطبيقها، تطور فكره مع قراءاته لمجلة العروة الوثقى، فحاول الالتقاء بالسيد جمال الدين الأفغاني في الاستانة ولكنه لم يلقه، فانتقل إلى القاهرة حيث أصبح من تلاميذ الشيخ محمد عبده، طرح على أستاذه فكرة إنشاء مجلة اسلامية تبحث في “ فلسفة الدين وعلوم الاجتماع والعمران” ، وهكذا جاءت المنار لتسد فراغا كبيرا في مجال الصحافة الإسلامية التي تراجعت بعد انتهاء مجلة “ العروة الوثقى”. كانت التيارات الفكرية في العالم العربي تدور حول فئات علمانية ربطت مصالح العالم الإسلامى بالمستعمر، مثل من تحلق حول مجلات المقتطف والمقطم، وفئات من المسلمين ترى أن خروج العالم الإسلامي من أزماته يرتبط بالتغريب واحتذاء النموذج الأوروبي. جاءت المنار برسالة إصلاحية تجديدية ترتكز على العقيدة والدين و تعمل على توفير الحلول الشرعية العملية لمشكلات العالم الإسلامى التى تراكمت في عصور التراجع و الجمود. وصار للمجلة تأثير واسع في كافة بلاد المسلمين، ومثالا يُحتذى في الصحافة في العالم الإسلامي. كانت المنار تؤيد إصلاح الخلافة العثمانية و بقاءها، و لكن دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا كانت نذيرا بانهيارها وتفكك العالم الاسلامي، هنا نبعت عند رشيد رضا فكرة تأييد الثورة العربية في الحجاز على أمل أنها ستحمل العالم الإسلامي أو على الأقل ستحمي الجزيرة العربية من المد الاستعماري، تواصل مع الشريف حسين وناصره وناصحه ولكنه أخذ في التشكك في قدراته وأطماعه، عندها رأى أن المسلمين قد ابتُلوا بالتيار التركي العنصري، ثم ابتلوا بالشريف حسين الذي جعل وأولاده العرب “ سلعا يبيعونها الإفرنج ليكونوا ملوكا في ظل دولتي الاستعمار الكبيرتين “ وعند نهاية الحرب العالمية الأولى دعا إلى “ إنقاذ الحجاز من إلحاد الحسين بالظلم فيه وجعله قًطرا حرا حياديا بضمان العالم الإسلامي “ ، وخص بدعوته الإمام عبد العزيز العزيز سلطان نجد والإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن. إلا أن الأيام برهنت له أن الملك عبد العزيز هو من تُعقد عليه الآمال، لأنه “ أنقذ الحجاز وأمنه تأمينا لم يسبق له نظير إلا في صدر الإسلام”، وقال في مقام آخر أنه كان متأثرا بدعاية الدولة العثمانية التي أظهرت أن الوهابيين فرقة مبتدعة، لكنه قرأ عن دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب وتأكد من حقيقة أمرهم في أنهم متبعون السلف مناصرون للسنة النبوية. في مرحلة مبكرة دعا رشيد رضا الدولة العثمانية العلية إلى تأييد آل سعود، لأنهم أعلم وأرحم بينما ابن رشيد “أجهل وأظلم “ وقال إن تأييد الدولة العلية لابن سعود ستجعله موالٍ لها. بنهاية الحرب العالمية الأولى تبين خطر الاستعمار البريطاني على المسلمين وندد بالانجليز وأطماعهم لدرجة أن مارك سايكس وصفه بأنه “ مسلم صلب متعصب”، وأنه “ يرى أن سقوط القسطنطينية، يعني نهاية القوة العسكرية التركية، ويستلزم إقامة دولة إسلامية أخرى للحفاظ على هيبة الإسلام وكرامته”. سدد الإنجليز طعنة مميتة للثورة العربية الكبرى بتقسيم بلاد الشام والعراق بين فرنسا وإنجلترا وتمكين الصهاينة من فلسطين، اعتبر رشيد رضا أن هذه الثورة خدمت الحلفاء في الحرب وأن استمرار أبناء الشريف في التعاون مع الإنجليز إنما هو تآمر على المسلمين. وانعقدت كل آماله على الملك عبد العزيز وسجلت المنار خطبته في موسم الحج التي قال فيها “ وإنني أتمنى أن يتم جمع المسلمين وتوحيد كلمتهم، وإنني على استعداد أن أكون أنا وأسرتي كجندي بسيط أجتهد في هذا الشأن، ولن أدخر جهدا في سبيل توحيد بلادي، وتوحيد أمة العرب، ولست أريد من وراء ذلك جزاءً ولا شكورا”. عندما استحكمت الأزمة بين الشريف حسين وسلطنة نجد كانت المنار ترد على ما ينشر في جريدة القبلة الحجازية وجريدة المقطم المصرية من تهجم على سلطنة نجد، وتفند افتراءاتهم. وتنقل ما يكتب من تأييد لسلطنة نجد في صحف إيران والهند، وتشكك في علاقة الشريف وأولاده ببريطانيا مقابل استقلالية قرارات الملك عبد العزيز في نجد، كما نقلت معظم البلاغات التى صدرت عن سلطنة نجد لتوضيح موقفها ولترد على مزاعم الشريف حسين. وفي بلاغ نشرته موقعا من الأمير فيصل (الملك) عام ١٣٤٢، أوضح رأي السلطنة في موضوع الخلافة فيقول: إن الخلافة ليست وظيفة روحية للتبرك، ولكنها وظيفة سامية، لجميع المسلمين حق النظر فيها، ولا يصح أن ينفرد بها قطر دون غيره، ولذا فإن الشريف حسين قد تعجل الأمر، وأن السلطنة تتفق مع الهند ومصر في وجوب عرض الأمر على مؤتمر إسلامي تُمثل فيه جميع الأقطار الإسلامية ويختارون من بينهم من يحسن القيام بأمر الخلافة. وفي عام ١٣٤٢ أيضا نشرت المنار تقريرا عن اجتماع الملك عبدالعزيز بالعلماء وقادة الجند. ورؤساء القبائل، كان هؤلاء يطلبون الأذن بالحج من الملك، ورأى الملك أن يؤجلوا الحج إلى العام القادم لكي يتشاور مع قادة البلاد الإسلامية، خاصة وأن الادعاءات ضد نجد وأهلها قد تفاقمت من قبل الشريف، فأصبح الملك يخشى أن يثير حسين الشر على أهل نجد خلال الحج فيحدث ما لا تحمد عقباه، وهنا استشار الملك العلماء فوافقوه على رأيه تجنبا للفتنة. وبعد دخول الملك عبد العزيز مكة وحصاره عليا بن الحسين في جدة، أرجف أبناء الشريف في الخارج يدعون الناس إلى عدم أداء حج الفريضة هذا العام لأن الحجاز لم يعد آمنا وادعوا أن مكة في مجاعة، نشرت المنار بيانا من الملك عبد العزيز يطمئن المسلمين على الأمن والأمان ويتعهد فيه بالقيام على أمر الحجاج، وقد جهزت الحكومة موانئ القنفذة والليث ورابغ لنزول الحجاج، وفتحت الباب للجمعيات الخيرية الراغبة في العمل بمكة. ويطمئنهم بأنه يطبق الشريعة الإسلامية اقتداء بالسلف الصالح وأئمة المذاهب الأربعة، كما يقول بأنه اكتفى بحصار المدينة وكان قادرا على دخولها، لكنه يريد الحفاظ على الناس حتى تستسلم تلقائيا، ويؤكد نفي كل الأكاذيب التى تزعم هجوم النجديين على الروضة الشريفة، وأن الملك عبد العزيز يفتدي الروضة بسلطانه وبنيه وروحه. وعقبت المنار بمقال مؤيد لما جاء في البيان، وأكدت ثقتها بالملك عبد العزيز وعنونت المقال (بين السلطان العامل الصامت - وملوك الدعاية القوالين) . وتقصد بالعامل الصامت الملك عبدالعزيز. كذلك نشرت المنار مقالا طويلا بمناسبة إعلان الملك عبد العزيز سلطانا على الحجاز، فصلت فيه عن تاريخه وتوحيده أرجاء الجزيرة وعقيدته، وصلاحيته لحكم الحجاز على عكس الشريف وأبنائه الذين تحالفوا مع البريطانيين، ووصفتهم بأنهم بهذا التحالف غاشون لأمتهم العربية والإسلامية، وقالت إنهم رهنوا مستقبل العرب للإنجليز. وبعدها نشرت مقالا خبريا طويلا يذكر أن أهل الحجاز قد بايعوا السلطان عبدالعزيز ملكا على الحجاز، وكان السلطان يرغب في أن يترك ذلك لانعقاد مؤتمر إسلامي عام يقرر في مسألة حكم الحجاز، لكن زعماء الحجازيين وقادتهم رأوا أن لهم وحدهم القرار فيمن يتولى أمورهم، وأما باقي المسلمين فالذي يعنيهم هو إقامة الشرع والعدل والأمان للحجاج، وقد رأي علماء نجد أن على السلطان أن يستجيب لما فيه طاعة الله ورسوله فوافق السلطان وبايع الناس. وكتب رشيد رضا مقالا بعد أن سجل كلمات الملك وخطبه قال فيه: إنه كان يفضل لو تم الأمر من خلال المؤتمر الإسلامي، ولكنه وافق بعد أن عرف الظروف الناشئة، وإصرار عرب الحجاز وعلماء نجد والظروف الدولية. وذكر رشيد رضا أنه بعد أن استمع إلى حافظ وهبه مندوب السلطان في مصر، فإنه رأى أن ما حصل إنما كان بناء على سياسة الأمر الواقع، وأن وحدة الحجاز ونجد حاجة مهمة للعالم الإسلامي. ثم نشرت المنار اعترافات الدول بالدولة الناشئة أولها الاعتراف السوفييتي ثم الانجليزي ثم الفرنسي والإيطالي، ودعا صاحب المنار كل الدول الإسلامية وعلى رأسها مصر إلى الاعتراف بالدولة السعودية والتعاون معها. مادة الكتاب تصلح تأريخا لمرحلة تأسيس السعودية، وجهاد الملك عبد العزيز لتوحيدها، واستقلالها، رحم الله الملك المؤسس وصديقه رشيد رضا صاحب المنار.