«الأم» التي تتابع «الإخبارية» لتطمئن على الوطن !

حين نتحدث عن الوطن، كثيرًا ما نتذكر الأرض، والجبال، والرايات، والإنجازات. لكنني أجد أن صورة الوطن الحقيقية انعكست أولًا في قلب أمي، تلك المرأة التي جعلت حب الوطن جزءًا من سيرتها اليومية، وغرسته فينا الأبناء والأحفاد كما تغرس بذور الخير في أرض خصبة ذلك لأن الأمهات أوطان صغيرة داخل الوطن الممتد تعلمنا الكثير وتمتد في الوطن نخيلا شامخا ثابتا يعطي ويدهش يروي بكل شموخ حكاياته ويعلمنا الحكمة. أمي قلب مؤمن متوكل على الله لايفتر لسانها عن الدعاء لا تنسَ أبدًا أن تدعو للوطن في سجودها، وفي ختام صلواتها،بل حتى في أحاديثها البسيطة معنا، كانت دائمًا تردد الدعاء: “اللهم احفظ هذا البلد آمنًا مطمئنًا”. لم يكن دعاؤها مجرد كلمات، بل كان تعبيرًا صادقًا عن وفاءٍ تحمله في ذاكرتها ووجدانها منذ سنوات طويلة. تدعو أمي للملك سلمان ولولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مثلما تدعو لنا أبناءها، وتفرح حين تصلها مقاطع مصورة عنهما، فتتأمل كلماتهما وابتسامتهما وفكرهما، وكأنها ترى في شخصهما أمان المستقبل، وروح الطموح التي تسكن كل بيت سعودي وأبصر في دعواتها لهما حنان الأمهات وصدقهن ذلك الذي لايشبه غيره أبدا . تحب أمي القناة الإخبارية لابد يوميا أن تطمئن على أخبار الوطن من خلالها تستمع بكل محبة بل وتنبها لنستمع معها وقد أصبحت مشاهدتها جزء من تفاصيل يومنا معها تعرف أخبار الوطن تطمئن عليه شمالا وجنوبا شرقا وغربا تطمئن على نجده حيث الرياض عاصمة الوفاء والمجد وحكاية التاريخ التي رسمت معالم هذا الوطن وتأسيسه وسيرة ذلك القائد عبدالعزيز آل سعود ومن بعده أبناؤه وأحفاده الذين جعلوا بفضل الله من هذا الوطن حكاية عز وفخر تُروى وتروي. وفي بداية كل عام دراسي، كانت أمي تستحضر شريط الذكريات، فتذكرنا كيف كان التعليم طريقًا للنور، وكيف أن المدارس في بلادنا كانت وستظل رمزًا لبناء الإنسان. كانت تقول لنا: “العلم في هذا الوطن ليس مجرد فصول ودروس، بل هو قوة تحفظ كرامتنا، وسلاحٌ نواجه به المستقبل”. بهذا اليقين، ربطت بين مقاعد الدراسة وحب الوطن، حتى جعلتنا ندرك أن التعلم في حد ذاته عبادة وحماية للوطن ولهذا صرت معلمة للغة العربية لأرد الوفاء للوطن الذي غرست أمي في قلبي دهشته لأنقلها للأجيال المتعاقبة من بناتنا لأحكي لهن بعين أمي دهشته وأعلمهن أبجديات الوفاء. وحين كانت تزور الحرمين الشريفين، كانت مشاعرها تتضاعف. تقول: “أن تعيش في بلد يحتضن أطهر بقاع الأرض، فهذه نعمة لا تقدر بثمن” وتتحدث بكل فخر عن مدى خدمة الحرمين وكل الجهود التي تقدم فيهما تتحدث وأبصر في عينيها حكاية الوفاء والمحبة. وفي أزمة كورونا، برز وفاؤها أكثر. كانت تتابع الأخبار بوعي، وتدعو دائمًا لولاة الأمر، وتكرر امتنانها للقرارات والإجراءات التي حفظت حياة الناس. كانت تقول لنا: “رأينا العالم يضطرب، لكن وطننا ثبت بفضل الله ثم بحكمة قيادته”. وفي لحظات الخوف، كانت تبث فينا الطمأنينة، تذكرنا أن الوطن لا يخذل أبناءه، وأن علينا أن نكون أوفياء كما كان هو وفيًّا لنا وكلنا شاهدنا كيف تحول للحظة هذا الوطن مدرسة للعالم كله في معاني الحب والحفاظ على أبنائه وكل مقيم فيه. أمي علمتني أن الوطن هو روح نحملها معنا في السفر والحضور في تفاصيلنا التي نعيشها وتمتد فينا جمالا، في الدعاء والفرح، في الذاكرة والوجدان. هي جعلت من حب الوطن قيمة تتناقلها الأجيال، لتبقى السعودية دائمًا في القلوب قبل أن تكون على الخريطة. “وطني وتختصر المسافة في فمي لأقول أنت بهذه الدنيا أنا”* كما يقول الشاعر السبهان . وهكذا كانت أمي، نموذجًا للأم السعودية التي تحمل في قلبها وفاءً لا ينقطع لهذا الوطن. لم يكن حبها للوطن حالة عابرة، بل سيرة حياة متكاملة تجلّت في دعائها، وذكرياتها، وفرحها، وحتى في صبرها في الأزمات. ومن خلالها أدركت أن الأمهات في كل بيت سعودي هن المدرسة الأولى في غرس قيم الانتماء، وأنهن من يضعن الأساس المتين الذي يقوم عليه جيلٌ وفيٌّ، قادر على حماية وطنه والمضي به نحو المستقبل. إن الوطن لا يُبنى بالحجارة وحدها، بل يُبنى أولًا في قلوب أبنائه، ومن يزرع تلك المحبة في القلوب هي الأم. ولهذا تبقى الأمهات السعوديات شريكات في كل منجز، وحاضرات في كل لحظة، يكتبن بخيوط الدعاء والتربية الصادقة أجمل تفاصيل هذا الوطن العظيم. خاتمة: أهدي هذا المقال وأنا أخفض جناح الكلمات في اللغة تذللا و محبة وتواضعا مقبلة يديها وجبينها للسيدة أمي “عيدة حامد الحازمي” أطال الله في عمرها وبارك في صحتها وهي مدرستي التي علمتني أبجديات الحب للوطن، للحياة ، للمعنى والمعنى حكايتنا الأولى.