يروي ذاكرة مائة عام من الشدَه الى الإزدهار..
أحمد آل غرسان الغامدي: عشت زمن الخوف، واليوم أنعم برغد العيش في وطني.

استعاد أحمد آل غرسان الغامدي، ذاكرته في مناسبة اليوم الوطني(95) بعد عمر قارب المائة، ليحكي فصولًا من حياة عاشها قبل أن تتوحد هذه البلاد، وتستقر أوضاعها. استحضر في حديثه البسيط العميق، مشاهد الطرق الوعرة التي كان يقطعها وهو يتوجس من اللصوص وقطاع الطرق، وليالي البر التي كانت تمضي على خوف من السباع أكثر مما تمضي على راحة، قبل أن تبدّل الأيام مسارها وتفتح له ولجيله أبواب الأمن والطمأنينة. تتجلى بين عباراته صورة التحول الكبير الذي شهدته المملكة، من زمن العوز والخوف والاضطراب، إلى حاضر يتسم بالرخاء والطمأنينة ورغد العيش بفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة. شهادته لا تمثل ذاكرة فرد فحسب، بل تختصر قرنًا كاملًا من التغيرات العميقة، وتمهّد للقارئ الدخول إلى تفاصيل رحلة رجل عاش بدايات الشدة، ورأى بعينيه كيف تبدلت الأحوال حتى غدت المملكة وطنًا مزدهرا. طريق محفوف بالمخاطر العم أحمد غرسان الغامدي، أحد أبناء منطقة الباحة، حمل في ذاكرته مشاهد الطريق الطويل بين الباحة والطائف، حيث كان السفر مغامرة محفوفة بالمخاطر. يستعيد تلك الأيام بقوله: “مشيت من الباحة إلى الطائف في أزمنة ما كان فيها أمن ولا استقرار، كنا نخشى اللصوص وقطاع الطرق في كل خطوة، والشخص منا ينام وهو متوجس من غدر أو هجوم. أما اليوم، فالحمد لله، تغيرت الأحوال وأصبح الطريق آمنًا، يقطعه الصغير قبل الكبير، لا يخاف إلا الله. سباع الليل وحكايات النار ومما ذكره الغامدي “لم تكن المخاوف مقتصرة على اللصوص، بل إن الطبيعة نفسها كانت مصدر قلق وخطر، فالسباع كانت تجوب الأودية والجبال، والنوم في العراء لم يكن آمنًا كما هو اليوم”. وتابع “إذا جنّ الليل ونحن في العراء، نتحلق حول النار، نحمل معنا عصيًّا أو بنادق قديمة نحتمي بها من السباع، كنا ننام على خوف أكثر من راحتنا، وبدّل الله الحال، وأصبح الإنسان ينام في بيته مطمئنًا لا يخشى سِبعًا ولا لصًا، وهذه نعمة عظيمة تستوجب الشكر”. دهشة أول سيارة وحين سُئل عن لحظة دخوله إلى عالم الحداثة، استحضر ذكرى أول سيارة ركبها في حياته. ابتسم وقال:” اذكر أني حسيت كأني أركب طيرًا يطير على الأرض، كنا نتعجب من مركب حديدي يمشي بلا جمل ولا حصان، كان ذلك تحولاً هائلًا في حياتنا “ خلاصة التجربة، ودروس الصبر لم تتوقف حكاية الغامدي عند ذكريات الطفولة والشباب، بل حملت خلاصة تجربة امتدت قرنًا من الزمن، فيها محطات تعب وصبر، ودروس تعلمها من الحياة. قال: “التعلم ما له عمر، وكل يوم في هذه الدنيا هو درس جديد، علمتني الحياة أن الصبر مفتاح الفرج، وأن الرزق بيد الله، وأن الإنسان لا يقف عند حدود، بل يسعى ويجتهد، وأكبر ما تعلمته أن الوحدة التي قادها الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – غيّرت وجه الحياة وأعطتنا فرصًا لم نحلم بها”. رسالة إلى الشباب ويوجّه العم أحمد للشباب رسالة محملة بصدق النصيحة وحرارة التجربة “شباب اليوم محظوظون، عندهم التعليم، والصحة، والرخاء، والأمان، أنصحهم أن يستغلوا هذه النعمة في طلب العلم والعمل وخدمة دينهم ووطنهم، وأن يحافظوا على ما بُني من أجلهم، و(ترا) ما كل جيل عاش اللي عشناه من جوع وخوف وتعب”. عودة المهاجرين.. لوطن الكرامة ويختتم حديثه بتأملٍ عميق في مسيرة وطنه، قائلًا” الدولة – حفظها الله – لم تحقق لنا الأمن والرخاء فقط، بل أعادت أبناءها الذين غادروها قديمًا إلى بلاد أخرى طلبًا للرزق بعد أن تقطعت بهم السبل، فوجدوا في وطنهم الملاذ والكرامة والحياة الكريمة. اقول هذا الكلام اليوم، لأني عشت التجربة حين تقطعت بوالدي السبل في مصوع (مدينة في أرتيريا) وكان للدولة الفضل في ارجاعه بعد ان اصدرت له وثائقه، حين ننظر إلى ما تحقق، ندرك أن هذه البلاد تسير من فضل إلى فضل، ومن نعمة إلى نعمة”. اليوم الوطني.. ذاكرة أمة حين نتأمل حديث العم أحمد، ندرك أن اليوم الوطني ليس مجرد تاريخ يُحتفى به، بل هو ذاكرة أمة كاملة انتقلت من الخوف إلى الأمن، ومن الشظف إلى الرخاء، ومن التشتت إلى الوحدة، وحين ينطق رجل وصل المئة عام بعباراته البسيطة، فإنه يختصر قرنًا من التحولات العميقة، ويضع بين أيدي شباب اليوم حقيقة لا لبس فيها أن ما نعيشه اليوم لم يأت صدفة، بل هو ثمرة كفاح وبذل وتضحيات جسام. وهنا يكمن المعنى الأسمى لليوم الوطني، أن نعي قيمة ما تحقق، وأن نصون مكتسباتنا، ونمضي بها إلى غدٍ أكثر إشراقًا وازدهارًا.