اليوم الوطني في الرواية قراءة في رواية (شرق الوادي) للدكتور تركي الحمد..

قضية الانتماء و الهوية و التطور و الانفتاح و الوحدة من القضايا المحورية في الرواية التي تقاطعت مع فلسفة اليوم الوطني

اليوم الوطني تأكيد للهوية والتزامتها على المستويات كافة فهي تعبّر عن معانٍ عميقة وتاريخية تضرب بجذورها في عمق الشخصية الإنسانية ؛ فهي ليست مجرد مناسبة احتفاليّة لمناسبة تاريخية تأسيسيّة ؛ بل تأكيد على جملة من المباديء و منظومة من القيم الوطنية الإنسانية، لعل أهمها تأكيد وتعميق الشعور بالانتماء بما ينطوي عليه ذلك من واجبات و مهمّات ، فضلاً عن التذكير بالمنعطف التاريخي الاستراتيجي ممثلاً في توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في 23 سبتمبر 1932م، بعد أن كانت مناطقها مشتتة متفرّقة ، الأمر الذي ترتب عليه بناء دولة قوية تقوم على أسس راسخة مستمدة من الشريعة الإسلامية. وما انطوت عليه من ولاء للقيادة والهوية السعودية عقيدةً وثقافةً وحضارةً، واعتزاز بموروثها التاريخي وقِيمها وتقاليدها الأصيلة وإنجازاتها واستشرافها لمستقبل واعد، ورؤيتها التي اختطّها ولاة أمرها (رؤية 2030) وتحفيز ملكات أبنائها لمواصلة السير على طريق التقدّم وزيادة اللُحمة الاجتماعية و الوطنيّة وتعزيز مكانتها عربيّاً و إسلاميّاً و دوليّاً. و قد قيل الكثير من الشعرفي هذا المجال ودُبّجت الكثير من المقالات والبحوث، وُألّفت اكثير من الكتب ؛ و قد جاولت أن أبحث بين الأعمال السردية عما يمكن أن يكون تصويراً لهذه المناسبة العظيمة فوجدت سرديات مبعثرة تصوّر يوم الفتح وتؤرخ للتأسيس وتستعرض ملاحم التحول العظيم ، ولأن الفن الروائي لا يعنى بالتقرير و المباشرة فإنّ عددا من الأعمال الروائيّة قد لامس هذا الأفق دون أن يعرض له عرضاً صريحاً. بعض الروايات تتحدّث عن الحقبة التي سبقت أو رافقت توحيد المملكة، وهو الحدث المركزي لليوم الوطني. ومن هذه الروايات (شرق الوادي) للدكتورتركي الحمد ، ومنطلق الرواية قرية نجديّة تُدعى (خب السماوي) وهذا المنطلق له بعد رمزي؛ فهي قرية تراثيّة تمثل جزءاً من البيئة القبليّة، في زمن ما قبل التحوّلات الكبرى في المجتمع السعودي. التي بدأت مع تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبد العزيز بن ىعبد الرحمن آل سعود ، بطلها يدعى جابر السدرة، ينشأ في هذه القرية، ويتربى على التقاليد القبليّة، يصحب في حياته صديق الطفولة سميح الذاهل، الذي يتميز بصفات غامضة وكلاسيكية أسطوريّة في شخصيته . وفي الاسمين ما يدل على معان ذات إيحاء يرتبط بمعان قابلة للتأويل المتّصل بالموضوع ؛ فجابر السدرة فيه دلالة على التصحيح و الرفعة و السماحة و الذهول،ويمكن للقاريء النابه أن يتبين العلاقة بين هذه المعاني و ما آل إليه فتح الرياض من خروج البلاد من مأزق تاريخي إلى السمو و الرفعه الذي يوميء إليه اسم القرية التي انطلقت من فضائها المكاني أحداث الرواية ، واختفاء سميح البطل فجأة في مقتبل شبابه يوازي حدثاً متعّلقاّ بالواقعة التاريخية المفصليّة ، حيث الوجود خارج الوطن والعودة إليه ، و من ثم العمل على توحيد البلاد. (سميح يختفي فجأة في مقتبل شبابه، لكنه لا يموت، بل يظهر بين الحين والآخر ) من خلال غياب سميح، تنطلق رحلة البحث التي يقوم بها جابر، ليس فقط بحثًاً عن صديق مفقود، بل استكشافاً للذات، الحقيقة، المعنى، والتغيّر، حيث يؤوب إلى مستقرّه، ويقوم بحركة التغيير الكبرى التي قادت إلى الفتح التي أسست للتحوّلات الكبرى في المجتمع من حياة التوحيد وتطوير البادبة والقُرَى التقليدية إلى الدولة الحديثة، اكتشاف النفط، تغيّر أنماط الحياة، المهاجر، الاحتكاك بالأجنبي والآخرثقافياً وحضارياً. أحداث الرواية – وإن بدت خارج إطار الحدث التاريخي - ولكنها على هامشه تكشف أصداءه و ما ترتّب عليه، ففي هذه الرحلة، يعيش جابر تجارب متعدّدة: العمل في أرامكو، التفاعل مع العمال والمعتقدات المختلفة، التنقل بين البيئة المحلية والخارجية، الزواج من مهاجرة لبنانية في أمريكا، والاندماج مع الآخر بطرق مختلفة ، وهذا يعكس الفضاءات الثقافية و الحضارية التي أتاحها هذا الحدث التاريخي ؛ والرواية تغطي نحو أربعة عقود من الزمن تقريبًا من حياة البطل، وتنتهي وهي تترك الكثير من الأسئلة التي أجابت عنها التطورات التي هيأها بناء الدولة الحديثة على يد الملك المؤسس و من جاء بعده من الملوك . إن الرَّحلة التي يقوم بها جابر لها أبعاد رؤيوية تتجاوز الوقائع الحقيقيّة ؛فالبحث عن سميح الذاهل هو استكشاف لجوهر الذات الفردية و الجماعية التي بدأت مع النجاح في امتلاك الحق الشرعي الذي تمثل في فتح الرياض ، وتأكيد لرسوخ القيم التي لا تتغير رغم التغيرات التاريخية والاجتماعية. كما أشار إلى ذلك بعض نقاد الرواية وكذلك الإشارة إلى أن الرواية تُصوّر مراحل تطور المجتمع السعودي من القبيلة إلى الدولة، ومن العزلة إلى الانفتاح . وإذا كان سميح الذاهل أقرب إلى الشخصية الفانتازية ؛ بل الأسطورية ، لاتحكمه وقائع الحياة المعتادة زماناً و مكاناً ؛ بل ينتظم وفق طقوسه الخاصة و منطق الأسطورة يظهر ويختفي وفق تصورات خيالية، فالزمن يخضع لطفرات وقفزات تتحوّل وتتغيّر وفقا لنصورات غير منضبطة بمنظور واقعي. كذلك فإنها تتمرد على قوانين العزلة و الاعتزال فتتواصل مع الآخر المختلف و المغاير عقيدة وثقافة و سياقا اجتماعيا أما فيما يتعلق بجماليات الرواية فإن الكاتب يستخدم التقنيات الحديثة في السرد الحداثي ، مثل الحلم، الرسالة، الأسفار (فصول تُمهَّد بنصوص دينية أو أسطورية) لإضفاء بعد أسطوري وغيبي على الرواية كما أشار بعض الدارسين لهذه الرواية وقد استعمل الكاتب اللهجة المحلية، الأمثال الشعبية، الشعر، والتناصّ مع النصوص االدينيّة حيناً و الأسطورية حيناً آخر . ومن الواضح أن هذا العمل الروائي يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المجتمع السعودي الذي كان للجهود التي بذلها الملك المؤسس وأبناؤه من الملوك الذين حملوا الأمانة بعده دورهم المركزي في تطويره، وبلورة الأسس التي قامت عليها النهضة في المملكة العربية السعودية ؛ ولعل فيما ذهب إليه البعض من أن التغيرات الكبرى تطرح أسئلة وجودية وتساؤلات نفسيّة وفكريّة حول الانتماء والهوية والكينونة حاول الكاتب أن يعرض لها في هذه الرواية. وموضوع تطور المجتمع والتحولات التي تمخضت عن الحدث المركزي الذي تمحورت حوله فلسفة اليوم الوطني ليست مقصورًة على رواية (شرق الوادي) بل هو من الموضوعات المتكرّرة في أعمال تركي الحمد الأخرى “الهوية الوطنية” أو “اليوم الوطني؛ فرواية( جروح الذاكرة) تصوّر انتقال المجتمع السعودي من حقبة ما قبل النفط إلى ما بعده ، و تُعرض للتحولات الاجتماعية والثقافية التي صاحبت الثروة النفطية، وكيف تغيرت أنماط الحياة والقيم، والتغيرات التي تأثر بها الأفراد والمجتمع لصدمة التحديث بما في ذلك العلاقات الأسرية، دور المرأة، مواجهة الحداثة؛ فمن هذا المنظورفإن الرواية تُشير بشكل ضمني إلى فكرة “النهضة الوطنية” أو “التحول الوطني” بمعنى كيف يتبدل المجتمع ويتشكل بعد موارد النفط، وكيف استطاعت الدولة استثماره حضارياً واقتصادياً و ثقافياً ؛ وفي ثلاثية(أطياف الأزقة المهجورة) تتعرض هذه الرواية إلى إشكاليات اجتماعية معاصرة، مثل التغير الثقافي و الهوية و الانتماء، هي كذلك تتناول كيف أن المتغيّرات السياسية والثقافية تؤثّر في الفرد والمجتمع،و كيف تتصارع التقاليد مع الحداثة، هذه الصراعات هي جزء من تجربة الوعي الوطني والتحوّل الاجتماعي، حتى لو لم يُذكر “اليوم الوطني” صراحة. أما على مستوى الرواية السعودية بعامة فإن كثيرا من الأعمال الروائية المهمة عرضت للمحاور الرئيسة التي ترتكز عليها فلسفة اليوم الوطني ؛ هناك روايات تسلط الضوء على مراحل التنمية والتغير الاجتماعي الذي شهدته المملكة، وهو ما يرتبط بشكل غير مباشر باليوم الوطني وفلسفته كما في رواية (الوشم) لرجاء الصانع التي تصور التطورات التي مر بها المجتمع السعودي و الهوية الوطنية في ديناميتها وتحولاتها الثقافية المتجددة . و (ثلاثية المملكة) لعبد الله بن بخيت التي تنقل صورة متعددة الأبعادللتحول الاجتماعي في السعودية. ،و تعكس دراما الأفكار و الثقافة حول الحداثة ومفهوم ورواية (سِمْرَاء) لرجاء عالم التي تتناول ملامح من الحجاز ومكة في بدايات القرن العشرين، مع إشارات ثقافيّة وتاريخيّة للمرحلة التي سبقت التوحيد وتستعرض الهوية والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي صاحبت تحولات الدولة وتنقل صورة عن التحول الاجتماعي في السعودية.و تعكس صراع الأجيال، والحداثة، ومفهوم الوطن . ولعله يبرز سؤال مهم : لماذا لا توجد رواية مباشرة عن اليوم الوطني؟ والإجابة على ذلك يمكن أن تتلخص في أن الرواية بوصفها فناً أدبيّاً تميل إلى التعبير عن الأحداث الكبرى من خلال تجارب إنسانية وشخصية، وليس بأسلوب التوثيق أو الاحتفال المباشر. ومع ذلك، فإن الروح الوطنية والهوية السعودية حاضرة بقوة في كثير من الروايات المعاصرة؟، لعل فيما سبق ما يوضح ذلك على نحو مقنع .