القراءة فعل مقاومة.

لماذا قد نعد القراءة فعل مقاومة؟ لأننا بواسطتها نقاوم الكسل والركون إلى الذات والأفكار القديمة كما نقاوم بها كل مستحيل في حياتنا. تدفعنا القراءة للجلوس ساعات وساعات مع تركيز العينين على رموز سوداء مرسومة على أوراق بيضاء في الغالب، وأن نعيش حالة خاصة يريدها لنا كاتبها. وعندما نسترجع التعريف المختصر للقراءة بأنها عملية فكرية تقوم على فك الرموز للوصول إلى المعاني، فإننا ندرك حينها أن القراءة هي عبارة عن جهد ذهني يُبذَل لفهم النصوص المكتوبة. إنها مقاوَمة للجهل عبر اكتساب العلم، وهي أيضًا عملية بناء صعبة بطبيعتها؛ لأنها لا تجري بمعزل عن المؤثرات المحيطة بالقارئ، كما وصفها شاعر بقوله: أرى ألف بانٍ لا يقوم لهادم فكيف ببان خلفه ألف هادم؟ وإن عددناها ثقافة ومعرفة فهي كما قال عنها أندريه مارلو: «فأس نحفر بها أفكارنا». إننا عندما نقرأ فإننا نكتسب معلومة جديدة نغطي بها جهلًا سابقًا ونبني بها علمًا جديدًا، ونقاوم به واقع الركود في دواخلنا. هي ليست مجرد نشاط ترفيهي فحسب، بل سعي حثيث ودائم نحو تحرير العقل والإنسان من ربقة التخلف، منقذة إياه من محاولات التلاعب بمقدراته. هي فعل مقاومة لأنها تساهم في الحفاظ على هويتنا المحلية والجمعية المتمثلة في قيمنا الدينية والوطنية الصلبة. كما تساهم في زيادة مساحة الوعي لدى مختلف شرائح المجتمع العربي والإسلامي ضد محاولات نسف ماضيه المشرق أو الالتفاف عليه وتلميع الحضارات الأخرى تحت مختلف التسميات. هي فعل مقاومة لأن ما يفترض بك قراءته هو ما يحرك دواخلك وكل ما هو ساكن لا مجرد التماهي مع واقعك، إلا حينما تشعر أنه تماه في محله، أما حينما تشعر بعكس ذلك فإنك تقف صلبًا قويًّا صامدًا أمامه، محاولًا تغييره بجميع الوسائل الممكنة والمشروعة والتي تساهم في بناء واقع أفضل دون نسف المقدرات القائمة. لذا فإنه ينصح دائمًا بأن نحاول أن نقرأ كل يوم مادة أصعب مما هو سائد؛ حتى نتمكن من أن ننتشل ذواتنا مما نحن فيه منطلقين نحو آفاق أكثر رحابة. القراءة هي فعل مقاومة يتحدى منطق العصر الذي يريد لنا أن نكون مجرد متلقين سلبيين للمعلومات وأن نقبل بها بغثها وسمينها، لا أن ننتقي منها ما يناسب قيمنا ومبادئنا. هي أيضًا فعل مقاومة للقراءة بمجرد تمرير العيون بسرعة على السطور ما يسهم في تسطيح تفكيرنا والقبول بما يقدم لنا من أفكار ومواقف دون تبصر وتمعن. هي مقاومة للهيمنة الفكرية للقوى الاستعمارية النافذة والجائرة التي تحاول توجيه تفكيرنا إلى ما يحقق مصالحها وتريد اقتيادنا نحو المجهول بعيون مغطاة. هي فعل مقاومة تسلحنا بالأدوات الفكرية اللازمة لفهم تاريخنا ووعي لما يجري ولمن يحاول أن يجبرنا على قبول التفسيرات المعلبة. حين نقرأ التاريخ فإننا نسلط الضوء على الجانب المشرق من تاريخنا ونقاوم محاولات طمس الإنجازات الكبيرة التي قام بها أسلافنا. كما أن قراءة قصص البطولات من هذا التاريخ أو من تاريخ أي مجتمع نهض من تحت الركام يعيد ترميم ما قد يكون تهشم منا بسلاح الأمل مقاومًا لمحاولات بث اليأس والإحباط في نفوسنا، ويعزز فينا فكرة أن السقوط ربما لا يكون سوى نكسة نستطيع أن ننهض منها إلى واقع أفضل.