الموظف ، حجر الزاوية.

تميل بعض مؤسسات  الأعمال إلى النظر للاستثمار في موظفيها باعتباره عبئًا ماليًا قد يؤثر على الأرباح قصيرة الأجل. او قد ينظر له بانه اصل يمكن تغييره واستبداله بسهولة غير أن التجارب العملية والبحوث الإدارية الحديثة تؤكد أن هذا التصور ضيق الأفق، وأن الموظف يمثل أصلًا استراتيجيًا لا يقل أهمية عن رأس المال المادي أو التقني. وفي هذا الإطار  توجهت بعض  المنشآت إلى تغيير مسميات  إدارات الموارد البشرية إلى مسمى مثل  « إدارة  راس المال البشري « ايمانًا بأهمية هذا الأصل في بناء المنشأة و تنمية الكفاءات وتوفير بيئة عمل آمنة ومحفزة يعزز من استدامة الربحية ويخفض التكاليف غير المباشرة المرتبطة بدوران العمالة وضعف الإنتاجية. فتكلفة استقطاب وتدريب موظف جديد غالبًا ما تفوق بكثير تكلفة الاحتفاظ بموظف حالي. وخروج موظف مؤهل  قد يكون اكثر تكلفة ، ومن هذا المنطلق، يصبح الاستثمار في تعزيز ولاء الموظفين استراتيجية اقتصادية فعّالة واذا كان الموظف هو ابن البلد يكون ذلك واجبا وطنيا واجتماعيا وأمنيا لا مجرد سياسة موارد بشرية فقط  ولكن هذا لا يعني ان المنشات ملزمة بالاحتفاظ بالموظف الذي لا يحقق أهدافها او يكون عبئا ومؤثر سلبي في بيئة العمل لديها.   وغالبا الموظف الذي يشعر بالتقدير والإنصاف أقل ميلًا لمغادرة المؤسسة وأكثر استعدادًا للمساهمة في رفع كفاءتها التشغيلية. او حتى الوقوف معها في ازماتها  وقد رأينا امثلة كثيرة اثناء ازمة كورونا بقبول موظفين  لتخفيض رواتبهم حتى تجاوز الأزمة. . وكما ان  الحوافز المادية والأمان الوظيفي عاملين جوهريين في رفع مستويات الإنتاجية. فالموظف الذي يتسم وضعه المالي بالاستقرار يكون أقدر على تركيز جهوده في تحسين جودة أدائه، بعيدًا عن الضغوط الخارجية أو القلق على المستقبل.  وهذا الاستقرار يتحول بمرور الوقت إلى استثمار غير مباشر يعزز تنافسية المؤسسة ويكسبها ولاء موظفيها  ، وهناك الكثير من التجارب الرائدة على المستوى الدولي والمحلي نجحت في تطوير راس مالها البشري وحافظت عليه، فمحليا لدينا شركات مثل أرامكو وسابك تعتبر من الرواد في تعزيز ولاء الموظف،  فقد صممت وسخرت  برامج تدريبية وتعليمية طويلة الأمد، بما في ذلك الابتعاث الأكاديمي، وبرامج الحوافز لبناء كفاءات بشرية عالية المستوى. فانعكس ذلك في استقرارها المؤسسي وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية وتميز مخرجاتها البشرية  وغيرها من الشركات التي عززت من قدرتها التنافسية العالمية عبر الاستثمار المستمر في تطوير رأس مالها البشري، وتهيئة بيئة عمل محفزة  وكما أن المؤسسات مطالبة بالاستثمار في موظفيها، فإن الموظفين بدورهم عليهم  مسؤوليات جوهرية تجاه هذه المؤسسات. فالولاء والانتماء يمثلان الخطوة الأولى في ترجمة الدعم الذي يتلقونه إلى التزام حقيقي تجاه الكيان الذي يعملون فيه. و الكفاءة والإنتاجية عنصران حاسمان في استدامة العلاقة، إذ يتعين على الموظف الاستفادة من فرص التدريب والتطوير وتحويلها إلى أداء ملموس ذي قيمة مضافة. إلى جانب ذلك، يُنتظر من الموظف التحلي بروح المبادرة والإبداع، وعدم الاكتفاء بأداء المهام التقليدية، بل السعي إلى طرح أفكار جديدة تسهم في رفع كفاءة المؤسسة. كما أن الالتزام الأخلاقي والمهني، والقدرة على التكيف مع التغيرات، والتعلم المستمر، تعد متطلبات أساسية للحفاظ على بيئة عمل منسجمة وفعّالة  إن العلاقة بين المؤسسة وموظفيها تعتبر شراكة استراتيجية متبادلة. فالمؤسسة حينما توفر بيئة عادلة ومحفزة وتستثمر في العنصر البشري، فإنها تبني أرباحًا مستدامة وقيمة تنافسية طويلة الأمد. وفي المقابل، يتحمل الموظف مسؤولية الإخلاص والإنتاجية والإبداع بما يعكس التزامه بنجاح المؤسسة. ومن ثم، فإن الاستثمار في الإنسان يظل المعادلة الأضمن لضمان استقرار المؤسسات وتعظيم قيمتها في الاقتصاد .