الأمثال الشعبية..

تروي دفء الروح وزمهريرها.

يستاهل البرد من ضيّع دفاه تسمع هذا المثل، فتغوص في وجوه المارّة وحكاياتهم، ليتردد في داخلك سؤال: ما هو البرد؟ وأي جزء من الإنسان يُصيب؟ وما شدّته حتى يكون عقابًا صارمًا قاسيًا لا يرحم؟ وأي دفء ذاك الذي كان نعيمًا، ولماذا كُتب عليه الضياع؟ لأي شعور يأخذك هذا المثل؟ كلماته تقرع جرسًا متناغمًا لتشكّل تحذيرًا موجعًا. عندها تعلم أن القائل أراد إصابة الروح، ومخاطبة القلوب بهذا المثل الفريد. فهل يتّسع وقتكم لقراءة الإجابات؟ وهل تستطيع نفوسكم تحمّل الاعتراف لتصحيح المسار؟ فالعودة ممكنة، وتقليل الخسائر مقدور عليه، إن لم نستطع منع الخسارة الكبرى. أيها الإنسان، إن الروح تحيا وتسعد بدفء العلاقات. وهذا الدفء ليس مصدره نارًا حامية متأججة، بل مصدره برد وسلام. فالعلاقة إذا قويت عُراها، أصبحت الأحضان فيها حصنًا منيعًا ضد تقلبات الحياة وأمواجها العاتية من حزن وخذلان وكسر وفقدان وحرمان. تصبح الأنفاس والنظرات والكلمات أقواسًا ثلاثة: • قوس يضيء عتمة المواقف والأحداث. • قوس يرخي عليك ظلال الأمل والراحة، فتحيا قرير العين. • قوس يرافقك في نومك، فلا تتقلب يمينًا إلا وقد أرخى عليك ستار الأمان، ولا على يسارك إلا وقد دثّرك بدثار الستر. فأينما اتجهت، كنت قرير العين، مرتاح البال، ساكن الجَنان، مهما تزاحمت جيوش البؤس وفرسان السنين العجاف. لكن إذا فقدت الروح ذلك الدفء، استحالت لحظات الحياة زمهريرًا قاسيًا، يتغلغل برده إلى مكمن الحياة وجذوتها المشتعلة في النفس، حتى يُطفئ نور السعادة. فتشيخ الروح، ويظهر أثرها على الجسد: ينطفئ ضوء العين، يحلّ الوهن، وتحفر الأزمات على الوجه خطوطًا رفيعة، فيبدو مظهره كسيرًا ضعيفًا، متوشحًا وشاح الخسران المبين. فأي عاقل يستطيع أن يفرّط في هذا الدفء؟! وأي حمقٍ وسَفَه أعظم من ذلك؟! والصدمة أن معشر الحمقى كُثر. لا يعلمون أي جرم ارتكبوا في حق أنفسهم إلا حين يسري ذلك البرد في أوصالهم، ويتغلغل في سويداء قلوبهم. فكم من أخ هدم علاقة بأخوته، وكم من زوج هدم عشّ بنيه، وكم من أم كسرت روابط أبنائها، وكم من صاحب خسر صاحبه، وكم من مدير مؤسسة فرّط في كوادره المتميزة، وكم من مهاجر زهد في وطنه، وكم من معلّم قتل طموح طلابه، وكم من طبيب أضاع أرواح مرضاه، وكم من بائع قوّض أركان تجارته… وغيرهم كثير من الحمقى الذين خسروا في العلاقات: في الحب، والزواج، والعمل، والحياة. وقد يكون دافع ذلك الخسران: الطمع، أو الحقد، أو المال، أو إغلاق أبواب الحوار، أو الكِبر، أو الشك، أو الجاه، أو العزة بالإثم. فلنحذر جميعًا من ذلك البرد الذي يكسر قلوبنا وقلوب من حولنا، فكسر الجسد قد يُجبَر، أما كسر النفس فلا. ولكي لا يصدق علينا قول الشاعر سلطان الشمري: تجرح حبيبك دوم وتقول: ما أدري طيب متى تدري؟ إذا قيل لك: مات! وفّر دموعك، بيجي يوم وتجري إذا رجعت وما رجع لك زمن فات يوم ٍ أموت ما يظل غير ذكري وغيض الندم يفتح قديم الملفات