الساعة الخامسة والعشرون!

-١- أستعمل التقنية، وأستمتع بها، وأتنفّس الحياة من خلالها، لكني سأظل على موقفي منها ورأيي فيها بأنها أسلاك شائكة تحيط بالعالم فتخنقه في زنازين تسمّى مجازا بالعالم الافتراضي. -٢- ستظل التقنية ذروة النموذج المادي الذي بلغ سقفه فاستطاع من خلال ذلك أن يمنح الرفاهية للإنسان الأدواتي ضمن خوارزميات رقمية وعوالم افتراضية غيّبت الطبيعة والحس الإنساني، فلم يعد أحد يغترف من نهر الحياة ويعانق الوجود كما كان يفعل الإنسان ما قبل الرقمي في الزمن القديم. -٣- لا تسمح التقنية للإنسان أن يأخذ بعضه، وأن ينزوي في ركن، أو ينطلق في بريّة، أو يغوص في بحر، حيث تركت له في كل زاوية عدسة ترصد حزنه وفرحه، وتقيس شعوره وحضوره، وتسجّل اعتياداته وانزياحته الأسلوبية، وتتابعه في أدقّ التفاصيل من أجل أن يبقى ضمن المنظومة الرقمية، فلا يحدث منه صوت إلا تردد صداه في شاشة الحاسوب الأكبر، الحاسوب الذي يزعم أنّه يضبط لنا إيقاع الحياة على وتيرة النظام الحصيف. -٤- إنه النموذج المادي في أقسى صيغه، رغم ما يحققه من رغبات ورفاهية مستهلكة لا تلبث أن تختفي حين يبلغ اليوم طرفه الآخر من بحيرة الزمن الدائري المكرور! وتلك فيما يبدو صيغة إنسان الأدوات في نموذجه الكامل. الذي بدأ بالعصا وقد ينتهي أو لا ينتهي بالريموت والذكاء الاصطناعي! -٥- بتعبير قسطنطين جورجيو، إنها «الساعة الخامسة والعشرون» من فائض اليوم الاعتيادي، لكنها ليست زبدته الخالصة، وإنما زبَدُه الذي لا ينبت الشعور ولا يمكث في القلب!