السعودية ..

بانوراما سينمائية من الطبيعة المتنوعة.

عند ذكر المملكة العربية السعودية، غالبًا ما تتبادر إلى الأذهان صورة الصحاري الذهبية المترامية الأطراف. لكن هذه الصورة، على الرغم من صحتها، لا تُعبر عن التنوع البيئي الهائل الذي تتمتع به البلاد. فالسعودية، بمساحتها الشاسعة، تحتضن بيئات طبيعية مختلفة تمامًا، لكل منها خصائصه الفريدة ومناخه الخاص، مما يجعلها أرضًا من التباينات المدهشة. يستكشف هذا المقال أبرز خمسة أنواع من البيئات الرئيسية التي تشكل النسيج الجغرافي للمملكة. 1. الصحاري الرملية الكبرى تُعد هذه البيئة الأكثر شهرة والأكبر مساحة، وتُعبر عن قلب المملكة النابض. تتميز بكثبانها الرملية الضخمة التي تتغير أشكالها باستمرار بفعل الرياح، مما يُشكل مناظر طبيعية آسرة. تُعتبر صحراء الربع الخالي واحدة من أكبر الصحاري الرملية في العالم، وتُشكل بجمالها المهيب تحديًا ومصدر إلهام في آن واحد. أما صحراء النفود الكبير في الشمال، فتشتهر برمالها الحمراء الفاتنة التي تُضفي عليها طابعًا أسطوريًا. أبرز الأفلام: لقد استغلت السينما السعودية هذا النوع من البيئة بشكل واسع. فيلم «هجّان» (2023) يصور العلاقة بين إنسان وصحرائه من خلال قصة فتى وناقته. وفيلم الإثارة «ناقة» (2023) تدور أحداثه بالكامل في الكثبان الرملية الشاسعة، بينما يُعد فيلم «بين الرمال» (2020) أول فيلم سعودي يُصور بالكامل في صحراء نيوم. 2. الصحاري الصخرية والحصوية تُقدم هذه البيئة تباينًا حادًا مع الصحاري الرملية. فهي تتكون من هضاب صخرية واسعة وحقول من الصخور البركانية السوداء المعروفة باسم «الحرات». هذه المناطق الوعرة، مثل حرة رهط وحرة خيبر، تُشبه تضاريس الكواكب الأخرى، وتُعد موطنًا للعديد من الحيوانات والنباتات التي تكيفت مع قسوتها. كما تنتشر في أجزاء منها سهول واسعة من الحصى التي تُعرف باسم «الرّق»، مما يُظهر تنوع الصحاري السعودية. أبرز الأفلام: تُستخدم هذه البيئة غالبًا لأفلام المغامرات. فيلم «قندهار» (2023) هو فيلم هوليوودي من بطولة جيرارد بتلر، تم تصوير بعض مشاهده في صحراء العلا ذات التكوينات الصخرية المذهلة. 3. المرتفعات الجبلية في جنوب غرب المملكة، تظهر بيئة فريدة من نوعها ومختلفة كليًا عن الصحاري. فجبال السروات في منطقة عسير تتميز بمناخها المعتدل على مدار العام وارتفاع معدلات هطول الأمطار. هذه الأجواء تُتيح انتشار غابات كثيفة من أشجار العرعر والزيتون البري، مما يجعلها واحة خضراء وسط المناظر الطبيعية القاحلة. وتُعد هذه المرتفعات ملاذًا لمحبي الطبيعة والمغامرة، ومصدرًا هامًا للمياه العذبة في المنطقة. أبرز الأفلام: هذه البيئة مثالية للقصص الإنسانية. فيلم «إلى ابني» (2024) من بطولة وإخراج ظافر العابدين، صُورت غالبية مشاهده في أبها، حيث شكلت جبالها ومناظرها الخضراء جزءاً أساسياً من القصة. كما يُعتبر فيلم «هيفاء» (2013) من أوائل الأفلام التي سلطت الضوء على منطقة عسير، مؤكداً على أهمية بيئتها في السرد القصصي. 4. الأودية والواحات تُشكل هذه البيئات شريان الحياة في قلب الصحراء. فالواحات مثل واحة الأحساء تُعد أكبر واحة طبيعية في العالم، وتتميز بوجود كميات كبيرة من المياه الجوفية التي تغذي مزارع النخيل والحدائق، وتُشكل مراكز حضارية قديمة. أما الأودية مثل وادي الدواسر، فهي ممرات طبيعية للمياه الموسمية، مما يجعل تربتها خصبة ومثالية للزراعة، وتلعب دورًا حاسمًا في دعم الحياة النباتية والحيوانية. أبرز الأفلام: فيلم «وُجد» (2023) يروي قصة فتى في رحلة عبر تضاريس مختلفة، حيث تُبرز المشاهد في الواحات والأودية جمال الحياة في قلب الصحراء. 5. المناطق الساحلية تمتد سواحل المملكة على طول البحرين الأحمر والخليج العربي، ولكل منهما خصائصه المميزة. ساحل البحر الأحمر يتميز بشعابه المرجانية البكر وتنوعه البيولوجي البحري، مما يجعله وجهة عالمية للغوص. أما ساحل الخليج العربي، فيتميز بمياهه الضحلة ومستنقعاته الملحية المعروفة باسم «السبخات»، والتي تُعد موئلاً مهماً للعديد من الطيور المهاجرة. هذه السواحل تُقدم تنوعًا بيئيًا بحريًا وساحليًا يكمل جمال البيئات البرية. أبرز الأفلام: فيلم «بركة يقابل بركة» (2016) صُوّر في مدينة جدة، حيث استخدم الكورنيش الساحلي كخلفية رئيسية لأحداثه الاجتماعية. كما أن فيلم «نوروز» (2023) للمخرج مهند السالمي، استعرض جمال وتنوع البيئة الساحلية في منطقة البحر الأحمر. وفي الختام، تُثبت هذه البيئات الخمس أن التنوع هو جزءٌ لا يتجزأ من هوية المملكة العربية السعودية. فمن قلب الصحراء التي شهدت التاريخ، إلى قمم الجبال التي تُعانق الغيوم، وصولًا إلى السواحل التي تُطل على مستقبلٍ واعد، تُصبح كل قطعة من هذه الأرض شاهدةً على ماضيها وتطلعاتها نحو الغد. إنها ليست مجرد بيئات، بل هي روح وطن.