رواية “ حجر وليالٍ عشر “ لعبد العزيز جاسم ..

الحياة في البيت الأحسائي حتى حرب الخليج الثانية .

توفيت الجدة فضة “ متأثرة بمرضها الشديد في مستشفى الأمير سعود بن جلوي بمدينة الأحساء، بعد حياة مليئة بالصراعات الداخلية بينها وبين أبنائها وزوجاتهم وأحفادها. جاء ذلك في سياق تطور الأحداث والصراع في رواية “ حَجْرٌ ولَيَالٍ عَشر “ للروائي السعودي عبدالعزيز الجاسم والصادرة عن دار تأثير عام 2021 في 399 صفحة. تحكي عن أسرة أحسائية تقليدية، قامت حبكتها على علاقة وثيقة بين أفراد الأسرة الواحدة. و ( العلاقة الوثيقة ) هنا لا تعنى السلاسة والراحة والوفاق دائمًا، بل في كثير من الأحيان تدل على التسلط والوصاية التي تمارسها الشخصية الرئيسية في البيت وهي الجدة؛ فلا تنفك تفرض قراراتها في تزويج وتطليق أبنائها، تؤذي بالقول وتجرح بالفعل وتُنفر في آخر المطاف أقرب الناس منها، وعلاوة على كل ذلك لا تبدي أدنى شعور بالندم أو الاعتراف بالخطأ. يؤثث الروائي مشاهده الأولى بأدوات صورية وحسية من البيئة المحلية الأحسائية، يقول: “ لكن الفلاحة تحديدًا كانت وماتزال من أشهر المهن التي عمل بها أهل القرى في منطقتي الشهيرة بنخيل التمر، بالإضافة للمهن التي انتشرت في المدن المجاورة مثل البناء والحياكة والحدادة وصناعة الفخار التي ارتبطت بأسماء العوائل فباتوا ينادَون بها كألقاب: الحداد والنجار والقطان والبطاط وغيرها من العوائل التي ارتبطت أغلبها بمهنة ما في تلك الحقبة  “. ويقدم شخصياته بملامح متفاوتة بين ثلاثة أجيال تعيش في بيت واحد لأسرة واحدة وهم: الجد والجدة، الأبناء وزوجاتهم، البنات وأزواجهم، وأخيرًا الأحفاد ، ويدور الصراع حول علاقاتهم وما يتداعى منها من تراحم وقطيعة.  بطبيعة العمل السردي، تتشابك القضايا كلما تقدمت أحداث العمل، وتصاعدت وتيرتها في عرض درامي شيّق، لتكشف هذه الرواية عن موضوعاتٍ هامة مثل: 1. أفضلية انجاب الذكورعلى الإناث الشائعة لدى كثيرمن العائلات العربية. 2. شخصية الأم المتسلطة وحروبها الداخلية مع الأبناء وزوجاتهم، وتدخلاتها الديكتاتورية في حياة الجميع. 3. تعليم البنات، والتجاذبات المجتمعية بين الرفض والموافقة إبان قرار تعليم المرأة في السعودية، مما أوجد تمايزًا كبيرًا في الأسرة الواحدة بين الأخوات، بعضهن دخلن المدارس وحصل على درجات علمية، والبعض الآخر مُنع، فاستسلم إما للتعليم الذاتي أو اللا تعلم كليًا. 4. ظاهرة تناقل أمراض الدم الوراثية في الأسر الأحسائية نظير شيوع زواج الأقارب، وهذا الواقع تم الحد منه بفرض قانون الكشف الطبي قبل إبرام عقد الزواج.  5. احتضان الفلسطينيين المقيمين في السعودية ونظام التجنيس آنذاك. 6. حرب الخليج الثانية، يقول: “ استغرقت عملية اخماد النيران استمرّت قرابة التسعة أشهر من العمل المضني، والتي لم تستطع منع تأثيرها البيئي على المحاصيل الزراعية التي أصابتها الأمطار الحمضية “ ويتبعه “ وقد امتد التأثير إلى الإنسان الذي لم يعاني من الأمراض الصدرية والحساسية التنفسية بشكل ملحوظ، فتلك أصبحت ضمن قائمة الأمراض المزمنة التي يعاني منها الأطفال وكبار السن بنسب متفاوتة “. وفي الختام، يكمن التحدي أمام العمل الإبداعي في قدرته على البقاء، وقد تحقق هذا الشرط بشكل جوهري في هذا العمل الروائي الذي لاينفك يربط القارئ بشريط موصول بالذاكرة الأحسائية المحلية البسيطة بين حياة القرى والمدينة، كاشفًا عن حجم التأثير الذي خلفته أحداث تاريخيّة مفصلية مثل: احتلال فلسطين وحرب الخليج الثانية. هذا مع اعتبار وجود بعض الملاحظات البسيطة على العمل، والتي لا تخل من جودته ووضوح الاشتغال فيه. يكتب لي الروائي الجاسم في إهدائه: “ اضع بين يديكِ صفحات نسيها التاريخ واستذكرتها أوراق هذا العمل “، وبدوري أوصي: “ إلى أجيال التسعينات ومن تبعهن، عليكم بقراءة هذا العمل، لتتعرفوا على ملامح مدينتكم “ الأحساء “ في طورها القديم، التي تبدلت واختفت ملامحها في يومنا الحالي.