قراءة نقدية للسرد النسوي وتمثيل الهوية في رواياتها..
أميمة الخميس.. مشروع ثقافي قبل أن يكون نسويّا.ً

توطئة في كل مرة أقترب فيها من تجربة إبداعية نسوية، أجدني أمام مرآة مضاعفة: مرآة تكشف ملامح الذات الفردية وهي تناضل من أجل صوتها الخاص، ومرآة أخرى تفضح بنية المجتمع وهي تحاصر هذا الصوت وتدفعه إلى الهامش. إن روايات أميمة الخميس ليست نصوصًا عابرة، بل هي جغرافيا كاملة للوعي النسوي الخليجي، تُعيد رسم خرائط المكان والهوية والجسد بلغة مشبعة بالشعرية والتمرد. ومن هنا جاءت هذه القراءة النقدية لتضيء أبعاد المشروع الروائي عند الخميس، وتكشف عن جدلية السرد والهوية في نصوصها. الرواية كفضاء لاكتشاف الذات لم تعد الرواية الخليجية مجرّد سجل اجتماعي، بل صارت مختبرًا جماليًا يعيد إنتاج الثقافة ويعرّي بنيتها العميقة. ومن أبرز التحولات الحديثة: بروز الصوت النسوي الذي يكتب ذاته، ويكشف المسكوت عنه. هنا تتبدى خصوصية أميمة الخميس التي جعلت من رواياتها، مثل البحريات والوارفة، نصوصًا مفتوحة على الحرية والتمرد والجمال. ١- صوت المرأة: من الغياب إلى الحضور المرأة في نصوص الخميس ليست موضوعًا للرغبة بل ذاتًا فاعلة تروي وتسمّي. في البحريات، تقول الساردة: «كنّا نسكن البيوت ولا تسكننا، نمشي في أروقتها كالأشباح، ننتظر أن يفتح لنا التاريخ نافذة صغيرة لنطلّ منها.» هذا النص يلخص التحول: البيت ـ رمز الأمان ـ يتحول إلى فضاء قمعي، والمرأة لا تعود صامتة بل تصف ذاتها كـ»شبح» ينتظر الحرية. ٢- الجسد بوصفه نصًا الجسد في سرد الخميس ساحة صراع، لا مجرد كيان بيولوجي. في الوارفة نقرأ: «كان جسدي مرآةً لغيري، يقرأ فيه الآخرون ما يشتهون أو ما يخشون، ولم أملك سوى أن أرتجف أمام أعينهم.» الجسد هنا نصٌّ يُقرأ من الخارج، ويُشيّأ في مجتمع يفرض وصايته. لكن الخميس تعيد كتابة هذا الجسد كفضاء مقاومة، رافعةً إياه من التشييء إلى التمرد. ٣- جدلية المكان والهوية المكان في روايات الخميس ليس إطارًا محايدًا، بل شخصية تفرض سلطتها. في الوارفة: «الجدران لا تكتفي بأن تحاصرنا، بل تلوك أسماءنا وتبصقها في الأزقة الضيقة.» الجدران كائن حي يراقب ويمحو. وفي البحريات يصبح البحر استعارة للحرية والعمق: «البحر يشبه صدورنا؛ ملوحة لا تُطاق، وعمق لا يُدرك، وأسرار معلّقة بين الموج والريح.» هكذا يتحول المكان إلى علامة على الهوية: سجن/بحر، قيد/أفق. ٤- جماليات اللغة: السرد كقصيدة لغة الخميس شعرية، مشحونة بالاستعارات والتداعيات: «الريح تقرأ وجهي ككتاب قديم، تتساقط حروفه في البحر، ولا أحد يلتقطها.» (البحريات). اللغة هنا ليست مجرد وسيلة، بل جزء من المعنى، تكثّف الذاكرة والانكسار، وتؤكد أن السرد عندها مشروع جمالي لا يقل عن كونه مشروعًا اجتماعيًا. ٥- تعدد الأصوات والحوارية السرد عند الخميس جوقة أصوات، لا مونولوجًا أحاديًا. في الوارفة: • الأم: «مكانك هنا، بين الجدران، لا تضيّعي اسم العائلة.» • الابنة: «الاسم الذي لا يمنحني حريتي ليس اسمي.» هنا يتجسد صراع الأجيال، حيث تتقاطع سلطة الماضي مع توق المستقبل، وتغدو الرواية ساحة جدل بين الاستسلام والتمرد. ٦- مشروع ثقافي قبل أن يكون نسويًا الخميس لا تكتب عن معاناة المرأة فحسب، بل تفكك البنية الذكورية بكاملها. فنصوصها جزء من النقد الثقافي، وليست مجرّد شهادات ذاتية. فهي تضع الجسد والبيت والاسم والعائلة في مواجهة البنية التقليدية، وتقترح بديلًا يقوم على الحرية وتعدد الهويات. ٧- القيمة الجمالية والمستقبلية تمثل أعمال أميمة الخميس مرحلة انتقالية في الأدب السعودي. فهي نقلت الرواية من الواقعية التسجيلية إلى النص الجمالي المركب، وربطت السرد المحلي بالحوار النقدي العالمي حول الأدب النسوي. هكذا تُعيد الخميس الاعتبار لصوت المرأة، وتجعل من الرواية أداة للتحرر الثقافي والجمالي معًا. خاتمة: كتابة من الهوامش لتغيير المركز روايات أميمة الخميس تُكتب من الهامش، لكنها تسعى إلى قلب المركز. فهي نصوص تكشف الجسد، وتستعيد الذاكرة، وتؤسس لهوية جديدة، عبر جماليات سردية تمزج بين الشعرية والتمرد. وبهذا تكون نموذجًا حيًّا على كيف يمكن للأدب أن يصوغ معركة الحرية في لغة عالية الحساسية، وأن يحوّل السرد من شهادة فردية إلى مشروع ثقافي كامل. المراجع: • أميمة الخميس: البحريات. بيروت: دار الساقي، 1996. • أميمة الخميس: الوارفة. الساقي، 2002. • عمر محفوظ: خصائص السرد في الرواية النسوية السعودية: بين التمرد والتملك. • صلاح فضل: أساليب السرد في الرواية العربية. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992. • ميخائيل باختين: خطاب الرواية. ترجمة يوسف حلاق، دمشق: وزارة الثقافة، 1990. • سيمون دي بوفوار: الجنس الآخر. باريس: غاليمار، 1949. * كاتب وناقد