
لا يأتي الشر دومًا على هيئة مشوهة أو صراخٍ وسط الظلام. أحيانًا، يسير بثقة، ويبتسم بلطف، ويتحدث بلباقة، إلى أن يسحبك فجأة إلى العتمة. هذه هي الخدعة الأساسية التي يلعب بها فيلم شيطان “Shaitaan” (2024)، حين يُقرِّب المشاهد من رجل وسيم يُدعى فانراج، ليفكك أمامه حُجُب الثقة ويكشف عن طبيعة شيطانية تتغذى على السيطرة والعذاب. الفيلم الهندي، الذي أخرجه فيكاس باهل، يمضي على خطى متينة في استحضار الرعب النفسي، رعب يهمس، يفاجئك ويتسلل إليك بخطوات ناعمة. ليس فيلم رعب اعتيادي مبني على القفزات الصوتية والخدع البصرية، انه عمل يتّكئ على الأداء والإيحاء، وعلى العين والنبرة، وعلى مفارقة الجمال الظاهري والشر الدفين. المفارقة في “Shaitaan” تكمن في أن الشرّ هنا رجلاً لطيفًا، ومتحدثًا لبقًا، أنيقًا إلى حد يصعب معه تصديق أنه مصدر الأذى. هذا التناقض المقصود هو ما يجعل الفيلم مرعبًا حقًا؛ ففانراج لا يهاجم ويرفع سكينًا، فانراج يدخل إلى البيت ضيفًا، ويرفع حاجبه بابتسامة. في حين تلاحقه الكاميرا بنظرات هادئة، وتلاحقنا نحن ارتجافات القلق. مادهافان الذي اعتاد عليه المشاهد في الأفلام الهندية نجمًا رومانسيًا في بداياته، يقدّم هنا تحولًا مدهشًا. تقمّصه لدور فانراج يكشف عن طبقات غير مسبوقة في قدراته التمثيلية: صوته هادئ، وحضوره خافت، ببساطة مجرم يتجسّد في هيئة رجل طيب ووسيم. ينتمي الفيلم إلى فئة الرعب النفسي الممزوج بالظواهر الخارقة، وهو نوع سينمائي ازدهر مؤخرًا في السينما الهندية مع أعمال مثل Tumbbad وBulbbul، حيث لا يعتمد الرعب على الوحشية أو الدماء، إنما على الشعور بالتهديد المستمر، وعلى هشاشة الواقع أمام القوى غير المرئية. في “شيطان” الشر يدخل عبر الباب الأمامي كضيف، ويسيطر على الابنة بكلمة سر، ويجعل الأب – اجاي ديغفان – أمام معضلة وجودية: كيف تحارب من لا يحمل سلاح؟ كيف تحرر ابنتك ممن لم يلمسها جسديًا لكنه امتلكها كليًا؟ هذه الأسئلة فلسفية، وهي ما يمنح الفيلم طابعًا أعمق من مجرد مشاهد مرعبة. من المفارقات الجميلة في الفيلم أن من تقف في مواجهته هي النجمة العائدة جيوتيكا، التي ابتعدت عن السينما الهندية التجارية منذ عام 1998، وعادت لتلعب دور الأم المكلومة التي تسعى لحماية ابنتها من براثن السيطرة. إنها عودة الثقل العاطفي إلى أدوار النساء في أفلام الرعب. جيوتيكا تقف شامخة، ومشدوهة. أداؤها يضيء الفيلم بنبرة صادقة، ويجعل المواجهة بين “الخير” و”الشر” أكثر توازنًا، وأكثر حسية. ودون مندوحة أن المشاهدين كانوا متشوقين لمشاهدتها، التي بدت وكأنها مُستدعاة من قلب القصة نفسها. ما يميّز فيلم “شيطان” أيضًا هو بصريات الفيلم وتصميمه الصوتي. فالمؤثرات تُستخدم كوسيط تعبيري. الصورة مظلمة، والزوايا مائلة، والصوت منخفض. هذا الإيقاع هو ما يمنح الفيلم طابعه النفسي العميق. المشهد ينفذ ببساطة متقنة، يجعل المشاهد مرتبط كليًا بالحكاية. الفيلم قصته كما قصة فيلم الغوجاراتي “Vash” (2023)، أو مأخوذ منها. لكن في Vash القصة متقشفة. الشر واضح، والأداء مباشر، والرموز تقليدية. لكن في Shaitaan هناك إضفاء أكبر للعمق النفسي، والتقديم البصري فيه عناية، والأداء التمثيلي أكثر مرونة. الفرق يكمن في طبيعة فانراج: في Vash، هو شرير تقليدي، أما في Shaitaan فهناك بعد فلسفي، ومادهافان يضفي عليه طابع مربك: هو جميل ومرعب، وساحر مثير للاشمئزاز في ذات الوقت. باختصار Shaitaan لم يُقلد Vash، إنما أعاد إنتاجه بروحٍ مختلفة تمامًا، أوسع وأكثر رعبًا من حيث العمق. ما يخيف في “شيطان” هي الحقيقة المرعبة التي يطرحها: “الشر قد يأتيك في أجمل صورة”. فيلم يتلاعب بتوقعاتك، ويقلقك حين تظن أن كل شيء تحت السيطرة، فيلم يُشعرك بأنك قد تكون جالسًا أمام أحد الشياطين وتبتسم له.