
يبدو أن القائمين على الأفلام الفلسطينية بدأوا يدركون أن دور السينما لا يجب أن ينحصر فقط في سرد المعاناة وتصوير الفلسطيني كضحية، بل لا بد من تصوير مقاطع من الحياة اليومية بشكل فني يلائم الجمهور العالمي ، ولذالك نجد أن الأفلام الفلسطينية في السنوات الأخيرة بدأت تعبّر عن هموم الإنسان الفلسطيني ، في الفيلم القصير “ الهدية “ للمخرجة والمؤلفة “ فرح النابلسي “ ، إلى جانب الكاتبة المشاركة هند شوفاني - تواجه عائلة محبة تعيش في فلسطين الواقع الصعب للحياة اليومية حيث يفصل بينهما جدار العزل في الضفة الغربية المثير للجدل الذي بنته إسرائيل . ، حين كانت المخرجة البريطانية – الفلسطينية ” فرح نابلسي” في زيارة الى الضفة الغربية التي تنحدر منها عائلتها ، وبعد فراق خمسة وعشرين عاما، عادت لتجد واقعا جديدا ألهمها فكرة فيلمها “الهدية” . العمل الدرامي القصير يسلط الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية الذي يحمل عنوان “ذا بريزنت” الكلمة الإنجليزية هذه تحتمل معنيين وتفسرين ألاول “الهدية” والمعنى الثاني “الحاضر”. تقول المخرجة إن ازدواجية المعنى مقصودة وهو ما أرادت نقله في العنوان وفي الفيلم نفسه . تشير المخرجة فرح هنا إلى نقاط التفتيش العديدة التي أقامها الجيش الإسرائيلي وكذلك الجدار العازل في الضفة الغربية وهو ما تسميه “جدارا يقتلع الأرض وبيوت الناس ويمزق الأسرة” . يعبر يوسف الضفة الغربية للذهاب لشراء الطعام والحصول على هدية لزوجته نور (مريم كامل باشا) بمناسبة ذكرى زواجهما . مع ابنتهما ياسمين (مريم كنج)، يواجه الاثنان نقاط التفتيش وجنود الاحتلال الإسرائيلي ، والأقفاص اللاإنسانية ، وحواجز الطرق التي لا هوادة فيها ونقاط التفتيش، وجنود جيش الأحتلال الإسرائيلي للوصول إلى أقرب متاجرهما، يتعين على يوسف وياسمين عبور نقطة تفتيش. في حين يسمح للمواطنين الإسرائيليين بالمرور عبر الحاجز في سيارات ويتم الترحيب بهم بحرارة من قبل الضباط ، لكن يقتصر على المواطن الفلسطيني إستخدام مدخل المشاة فقط والمطالبة بالموافقات بالمرور وإبراز الهوية الشخصية . سرعان ما يغضب يوسف من الاضطرار إلى الإجابة على مثل هذه الأسئلة الوضيعة مثل “إلى أين أنت ذاهب” و “لماذا أنت هنا” للمرة المائة ، وهو محبوس في قفص غير إنساني لفترة مستقطعة. في أقل من خمس وعشرين دقيقة، تمكن فيلم “الهدية” من تصوير مدى إرهاق الحياة اليومية للعديد من الفلسطينيين. من محدودية الموارد (مثل إغلاق الصيدلية الوحيدة) ، إلى الاضطرار إلى نقل الثلاجة إلى المنزل لأنه لا يسمح لك بالقيادة عبر حواجز الطرق ، إلى الطبيعة المهينة المتمثلة في الاضطرار إلى إظهار الهوية للجنود ذوي الوجوه القاسية لمجرد شراء الخبز والحليب. تلخص المخرجة النابلسي بذكاء التجربة اللاإنسانية والمحبطة للعيش تحت ظل الاحتلال الأسرائيلي وتعكس النابلسي التجارب اليومية للعديد من الفلسطينيين . الافتتاحية على رجل العائلة يوسف (صالح بكري) ينتظر عبور المعبر عند نقطة التفتيش 300 في الضفة الغربية . لقطات لنقطة التفتيش المكتظة بشكل مفرط - حيث نرى الرجال يتسلقون القضبان المعدنية المرتفعة التي تحيط بالنفق الضيق والمحصور في نقطة التفتيش في محاولة لتسريع رحلاتهم. الفيلم مقتبس من أحداث حقيقية لكن فرح نابلسي تقول “إن بشاعة الواقع في بعض الأحيان تفوق بكثير قدرة الفيلم على التصوير” ، أنه تذكير مؤلم بعزلة الفلسطينين عن العالم . يتم اقتياد السكان الفلسطينيين مثل الماشية عبر معبر يشتهر بطوابيره الطويلة وظروفه المتقلبة والحوادث المروعة من كسور الضلوع وخنق الركاب خلال ساعة الذروة . في الفيلم القصير( الهدية) تلتقط المخرجة النابلسي التجربة اللاإنسانية والمحبطة للعيش تحت الاحتلال، و تركز على يوسف (صالح بكري)، وهو رجل يكافح من أجل تغطية نفقاته لزوجته وابنته الصغيرة. اليوم هو ذكرى زواجه ويوافق على اصطحاب ابنته ياسمين (ميريام كانج) في رحلة تسوق. وتشهد والدها وهو يعاني من آلام شديدة في الظهر، فضلا عن الإحباط في التعامل مع الحراس المسلحين عند نقطة التفتيش - حتى وهو يتحمل إذلال حبسه أمامها. إستنادا إلى لقاءات النابلسي في الضفة الغربية، فضلا عن لقاءات الفلسطينيين الآخرين، تجمع النابلسي بين التجارب الحقيقية والأسلوب البسيط وغير المألوف في تصويرها لصياغة صورة صادقة لما تصفه بأنه “واقع قاس و مؤلم “. في فيلم فرح النابلسي القصير ”الهدية”، يريد يوسف (صالح بكري)، بطل الرواية الفلسطيني، فقط أن يشتري لزوجته هدية للاحتفال بالذكرى السنوية لزواجهما – ثلاجة جديدة تماما على وجه الدقة. لكن ما يمكن أن يكون رحلة بسيطة يصبح معقدا بلا داع. يحاول الجنود الإسرائيليون إذلال يوسف وابنته ياسمين (مريم كنج) عند كل نقطة تفتيش - يحبسونهما ، ويسرقون ممتلكاتهم ، ويأمرونه بتلبية المطالب التي لا تؤدي إلا إلى التباهي بسلطتهم . يبدو “ يوسف” الذي يعاني من وجع حاد في الظهر ويعيش على المسكنات؛ تعبيرًا عن حال الفلسطيني بعد سنوات طويلة من الاحتلال. فهو وإن بدا متوسلاً للجنود للمرورعن الحاجز وعليه علامات الإعياء والتعب، إلا أنه قادرٌ على الصراخ والغضب أيضًا . طوال الرحلة يوسف يغض البصر، ويتحمل وجه ظهره، ويمضي كي تظل صورته براقة أمام طفلته، لكن في لحظة ينهار كل شيء ، عندما لا يستطع يوسف أن يدخل الثلاجة عبر الممشى المخصص للبشر، يؤشر على منزله الذي يبعد بضع خطوات على أمل أن يسمح جنود الاحتلال له بالخروج،”بيتي هناك ، واريد العودة اليه” يردّد يوسف للجنود،. لكن دون فائدة، فيغضب ويبدأ بالصراخ، الذي يواجه بأسلحة تتجهز لقنصه ، وفي مقابل صراع يوسف، نرى المستوطنين يعبرون بيسر أحد الحواجز بسياراتهم، مبتسمين خلال عبورهم . في لحظة تحدي تخرج ياسمين وهي تدفع العربة والثلاجة الى الطريق العام بكل ألق وثبات خطوة وثقة لتؤكد بأن هذه الأرض لها والمستقبل لها ، “الهدية” يجب أن تصل إلى أمها، وهذه هي رسالة الفيلم التي أراد صنّاع الفيلم إيصاله . تمكن الفيلم من تصوير المعاناة اليومية التي يواجهها الفلسطينيون بشكل فعال ، حتى على أكثر جوانب الحياة وضيعة ورتابة ، وكيف يمكن أن تصبح مهمة بسيطة الى رحلة مرهقة. تتطور حكاية الفيلم البسيطة إلى دراسة عاكسة بذكاء لتجارب العديد من الفلسطينيين، مما يخلق نظرة مؤثرة على الحياة التي يحكمها الاحتلال العسكري وحرية الحركة المحدودة للناس داخل المنطقة . هذه هي الحياة التي تظهرها لنا الكاتبة والمخرجة فرح النابلسي في جوهرة فيلمها القصير الذي تبلغ مدته 25 دقيقة. يتميز الفيلم بإحساس واقعي ويقدم رسالة عظيمة . تقدم المخرجة “ فرح النابلسي “ بمهارة وحساسية لمحة عن عالم عائلة واحدة، وتلتقط الخطر والإهانة التي يواجهها الفلسطينيون يوميا وتفضح جوهر الاحتلال الإسرائيلي ببراعة من خلال تسليط الضوء على معاملته الغير إنسانية للمواطنين الفلسطينيين في نقاط التفتيش والطرق المنفصلة والاستجواب المستمر والتفتيش المسلح المستمر الذي يجب على الفلسطينيين المرور به كل يوم عند أداء مهام بسيطة مثل الذهاب للتسوق في بلدتهم. كما يسلط الفيلم الضوء على التداعيات الجسدية والعقلية لهذا الاحتلال على الرجال والنساء وخاصة الأطفال الذين يعانون بسببه . فيلم جميل يلخص بكل بساطة المحن اليومية في فلسطين المحتلة. ويظهر الفيلم رحلة يوسف مع ابنته الصغيرة ياسمين للذهاب للتسوق في قرية مجاورة، لشراء البقالة وهدية لزوجته. أنتجت الكاتبة والمخرجة فرح النابلسي والشاعرة والمخرجة الفلسطينية – الامريكية “ هند شوفاني” فيلما ممتازا يعرض في صورة مصغرة ما يعانيه الفلسطينيون العاديون على أساس روتيني يعيشون تحت الاحتلال ، إنه أمر مروع ومؤلم . عند وصف الوضع فلسطينيا ، ثمة معوقات عديدة، ليس أولها الطابور على مد البصر، مرورا بمزاج عناصر الاحتلال في نقاط التفتيش، وإنتهاءاً بوجع ظهر يوسف وكأنه الوجع الأقرب لوصف تلك المعاناة . الحقيقة أنها سياسية الأحتلال الأسرائيلي في تحويل حياة الفلسطيني إلى جحيم من خلال ممارساته العنصرية التي ما زالت كامنة في ذهنية جنود الاحتلال الصهيوني .