بعد ربع قرن من مغادرته..

صوت طلال و إحساسه ترياق الأعلّاء.

عندما يحل علينا أغسطس يعتلي الوجوم والشعور بالفقد والخسارة ملامحنا ، وينعكس ذلك على وجداننا ودواخلنا وسرعان ما نكتشف السبب عندما يتحول هذا الإحساس والشعور الحسي الى ألم عضوي يصيب الأكباد .. بتذكرنا ان هذا الشهر هو من خطف منا صوت القيثارة التي لا يشبه صوتها أي شيء آخر لكونه منبعث من اعماق الأرض الضاربة جذورها في عمق التاريخ .. صوت طلال مداح معه ربينا وربيت ذائقتنا الفنية وتشكلت ملامحها الأولية لتصبح معيارا لتذوق العطاء الفني الذي نستسقيه على طول المدى من مبدعينا في عهد ما قبل طلال الى ما بعده لدرجة اصبح فيها ما تنثره حنجرة طلال واحساسه المذيب لكل شعور واحساس ترياقا لأعلائنا وما اكثرهم لدى العرب رفاق ابن الملوح وابن ذريح .. ولطالما لعب طلالنا هذا .. دور كيوبيد مرسل اسهم العشاق بأغنياته التي ترشق اكباد العشاق فتصيب كلا منها بنغم يساوي له بإيلام الجرح معاكس له بالاتجاه وكأنه معادلة ارخميديسية .. وعندما اطلق عليه علي داوود لقب صوت الارض وهو يقدمه لجمهوره في حفل القاعدة العسكرية في الطائف بمناسبه دورة كأس العرب في 1984 .. لم يكن إلا قلبه الذي يتحدث من على المسرح وبسرعة التفكير وقت التقديم لذا جاءت النتيجة أن خلع على طلال لقب صوت الأرض بقصد أو دونما قصد ، وعزز يومها هذا اللقب من زميلنا الراحل في جريدة البلاد ابراهيم المرحبي ... طلال مداح يا سادة حجة كبيرة في الغناء والموسيقى السعودية بمرتبة انسان بسيط لا يعرف لنفسة قدرا يضعه بين الكواكب والنجوم ، فالمتتبع و الراصد لحياته كفنان وكانسان من المقربين من دائرته المحيطة يكاد أن يكون غريبا عنه في بعض الأحايين ، بينما العكس جائز جدا فمن ليس على صلة به ولكنه ملبوس بفنونه و عطائه يكون أقرب اليه من حبل الوريد بفضل لقاء محض صدفة ، هكذا هو طلال مداح وعليك أن تفهمه جيدا من خلال حبك له كإنسان وكفنان اذا ما كنت صادقا في حبك هذا ، لأن معايير التعامل مع طلال يحكمها الحب قبل كل شئ أو على الأقل هذا ما أعتقده عنه كصديق .. طلال الذي انطلق من الطائف في العام 1959 بحكم موقع عمل والده بالتبني علي مداح الذي عاش معه يفاعته و صباه بعد أن فتح عينيه على الحياة في مكة أعمرها الله وحفظها في طفولته الأولى تحت رعاية وكنف والده عبدالشيخ الجابري ، طلال هذا كان موطن الجمال لديه قبل عبقريته الفنية الشاملة ما وهبه الله من تميز في لثغته الطبيعية التي ميزت راءه عن راء الآخرين الى مماته ، كان أول مشهد له في دخول عالم الفن رسميا من الواقع والخيال في نفس الوقت إذ كانت القصة التي صورها لي مجايلة الموسيقار الراحل غازي علي الذي كانت انطلاقته في عالم الموسيقى و الألحان في المدينة المنورة ثم جدة مع ظهور موهبة طلال في الطائف المأنوس من بردتي الكبيرين طارق عبد الحكيم و عبدالله محمد ولهذه البداية قصة حكاها لي في لحظة نجلي الصديق الموسيقار الراحل غازي علي الذي روى لي المشهد كما يلي إذ يقول : في نهاية الخمسينيات الميلادية ولم أكن أعرف طلال مداح بعد وجميعنا دون العشرين قال لي من سبقنا الى العمل في حياض الفن عبدالله محمد .. عليك أن تأتي الى الطائف لأجمعك مع موهبة فنية متميزة سيكون لها مستقبل كبير ان شاء الله .. اسمه طلال فلم أكذب خبرا فانطلقت الى طائفنا الجميل ضيفا على عبدالله محمد ليعرفني على طلال الذي أصر بدوره أن يكون عشاءنا لديه وفي بيته .. هنا تعرفنا على بعضينا وكأننا أعضاء معرفة و أصدقاء منذ عمر مضى وفي اليوم التالي كنا ضيوفا على الأستاذ الإعلامي الكبير عباس فائق غزاوي الذي على رأس اذاعة جدة وقتها وكان اللقاء في بيته الصيفي هناك جميعنا غنى فتوقف عند طلال وسأله أين يعمل ، قال في بريد الطائف فدعاه الغزاوي الى الإذاعة في جدة وأنه سيساعده لنقل عمله الى بريد جدة حيث انه سيتمكن من الانطلاقة في عالم الفن .. والموسيقى والغناء من خلال الاذاعة و مسرحها الغنائي في ستوديو الإذاعة حيث سجل اولى أغنياته الرسمية فيها عام 1960 « وردك يازارع الورد « وبعدها بسنوات وبالضبط في ثاني ايام عيد الفطر كما يرصد ويقول المرجع و الحجة في تاريخ طلال الزميل صالح المسند انه كان نجم السهرة الاولى من مسرح التلفزيون عند ظهوره مع نشأة التلفزيون في 2 شوال 1385 أي في العام 1965 حيث صور طلال للمسرح 3 أغنيات هي من أغانيه الأشهر آنذاك في الاذاعة وهي « عيني علينا « كلمات محمد طلعت و « ابها « كلمات احمد رجب و « الأصابع موسوى « كلمات الشاعر المنتظر. الخلاص ة ان طلال مداح ملف كبير بل أكبر في الأغنية والموسيقى السعودية وأتى كانت بداية حرثك فيه لا يمكنك أن تغطي كافة فحواه.