قصص قصيرة جداً

مُهَجَّر أراد المغادرة ، منعوه، طلبوا منه البقاء ،قصَّ عليهم التضحيات، قرأ لهم شيئاً من الجغرافيا،ذكَّرهم بالتاريخ والسِّير والعبر والذكريات ،لعلهم يتذكرون ،انتابهم الحزن،دمعت عيناه وهو يشير بأصبعه إلى مكانٍ على الخريطة تمتم بأسى : كان هنا وطني. هلاوس حدَّق في الساعة ، نظر في الشمس ، أدار الكرة الأرضية ، رسم دائرة في الجدار ؛ اكتشف كروية العقل. عِقَاب نظرَ في المرآةِ ، لم يجد وجهه ، تحسَّس مكانه، انتابه الجزع ، شعرَ بوخزِ القلق ، عصر ذاكرته ، يبحث عن السبب،تذكّرَ ،كم سَفَحَ وجههُ من ذلِ السؤال . انتحار تشبث بالنافذة بكلتا يديه ، أصابه الهلع، سال عرقه ،سمع الناس في الشارع يطلبون منه الصمود، حتى يتم إنقاذه ، عيونهم شاخصة عليه يدعون الله ألاَّ يسقط ، وهو يستغيث، حتى خارت قواه وسقط من السرير. مدرسة كنت كل يوم أسمع في مدرسة أمي درس أو حكمة أو نصيحة أو مثل .. وهي توصيني أن أفهمها قبل أن أحفظها .. لم تقل لي لا أحزن ،لكن ، مع الأسف ، ماتت أمي قبل أن أَسمّع لها الدرس الأخير عن “بؤس الحياة بدونها”. رتق كنت كالعريس في الفرح، طفل يرقص بثوبٍ مهتور، أخذني الأب الطيَّب بيدي إلى ابنته العروس لتخيط لي ثوبي الأسود، وقفتُ ساكناً رأسي إلى السماء وعَرَقي ينزُّ من وجنَتَي،وهي تُحضّر الخيط والإبرة كطبيبٍ يستعد لإغلاق الجرح، ثم همّت بالثوب تخيطه وأنا أرتديه، همَسَتْ في أذني: “ لا تخف..أنا مثل أختك “ذبتُ خجلاً، فلم يكن تحت الثوب ملابس داخلية. أَهٍ.. أنا وإخوتي الأربعة كل مرة نتواعد أنْ نلتقي في بيت أمي ،نسعدها بحضورنا كلنا ، واجتماع كلمتنا ،ونؤنسها لبعض الوقت ، لكن ظروف الحياة أشغلتنا عمَّا نحن بصددهِ، فنؤجل اللقاء إلى يوم آخر ، ونكتفي بزيارتها فرادى بين الفينة والأخرى، بينما كانت أمي تريدنا أن نزورها معًا ، وفي كل مرة تسألنا متى نجتمع عندها؟.. وحين اتفقنا على زيارتها مجتمعين كان ذلك حول قبرها وقت دفنها .