«مدار الفكر» قصة شغف سعودي يصنع حضورًا في عالم النشر..

من مبادرة فردية إلى منبر ثقافي يحتضن الإبداع ويواكب التحولات الرقمية.

رغم التحديات الكبيرة التي تواجه صناعة النشر الورقي، تواصل دور نشر سعودية ترسيخ حضورها في سوق الكتب، وتحجز لنفسها موقعًا مميزًا في عالم النشر، من خلال مشاركات فاعلة في معارض الكتب المحلية والدولية. وفي هذا الإطار، تحدث خالد محمد المسيهيج، صاحب دار «مدار الفكر» ومقرها الرياض، والمشارك في معرض المدينة المنورة للكتاب، عن تحديات النشر، ورؤيته لمستقبل الكتاب في ظل التحولات التي يشهدها القطاع، ودخول النشر الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي طرفًا في الصناعة. يقول المسيهيج: «الشغف هو المحرك الأساسي لعملنا. تجربتنا في البداية لم تشهد إقبالًا كبيرًا، لكننا عززنا حضورنا بتوفير نسخ إلكترونية من إصداراتنا، ما ساعدنا على الوصول إلى القراء محليًا وعالميًا. أنا مؤلف بالأساس، وهذا ما يمنحني دافعًا إضافيًا للاستمرار.» وكشف عن مشروع جديد تعمل عليه الدار لتحويل أعمالها إلى نسخ صوتية، مؤكدًا أن مشاركاتهم في المعارض واسعة، وأنه «لا توجد خسائر تُذكر في المبيعات». أما عن مستقبل الكتاب الورقي، فيرى أنه ما زال مطلوبًا وله جمهوره، حتى وإن كانوا قلة، وغالبهم من القراء القدامى. وفيما يتعلق باستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي، أوضح أنه يتم استخدامها في تصميم الأغلفة والتدقيق اللغوي، مع التأكيد على المراجعة البشرية «لأن الذكاء الاصطناعي قد يهلوس ويقع في الأخطاء». كما تتميز إصدارات الدار -بحسب المسيهج- بالتنوع في موضوعاتها ومجالاتها. بداية القصة يحكي المسيهيج عن انطلاقة مدار الفكر قائلاً: «بعد أن واجهتُ تحديات متكررة في نشر بعض مؤلفاتي لدى دور نشر محلية ودولية، شعرتُ أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة مختلفة. لم يكن الدافع مجرد تجاوز لعقبة النشر، بل إيمانًا بأن ما يُكتب بصدق وأصالة يستحق أن يصل إلى القارئ دون أن يُقاس بقوالب تسويقية أو اعتبارات غير إبداعية.» من هنا، أسس «دار مدار الفكر للنشر والتوزيع» عام 2021 كمبادرة مستقلة لنشر مؤلفاته. لكن المشروع لم يبقَ فرديًا، إذ تحوّل خلال أول شهرين من تأسيسه إلى منبر ثقافي يتبنى أعمال الكتّاب المتميزين من داخل الوطن وخارجه، برؤية واضحة: أن تكون «مدار الفكر» مساحة حرة للنص الجاد والمحتوى الأصيل، دون أن يُطلب من المؤلف أي مقابل مادي، حيث تتكفّل الدار بطباعة الكتب وتوزيعها بالكامل على نفقتها، من دون أي دعم من جهات حكومية أو خاصة. ولضمان الجودة، تعتمد الدار معايير دقيقة في اختيار الأعمال؛ فلا يُنشر إلا ما كان ثريًا في مضمونه، جديدًا في فكرته، وأمينًا لفنّه، إيمانًا بأن الوعي لا يُصنع إلا بمحتوى يحترم عقل القارئ ويمنحه ما يستحق من جدّة وعمق وقيمة. منصة للثقة والإبداع بفضل هذا التوجه، حظيت إصدارات «مدار الفكر» بثقة متزايدة من القرّاء، وأصبح الإقبال عليها ملحوظًا في معارض الكتاب، حيث يلمس القائمون عليها تقديرًا واضحًا لنوعية ما يقدمونه، سواء من حيث المضمون أو الشكل أو الجرأة في الطرح. ويختتم المسيهيج حديثه قائلاً: «مدار الفكر ليست مجرد دار نشر، بل امتداد لقناعة شخصية بأن الكلمة الجيدة لا تحتاج إلى وساطة لتصل، بل إلى إيمان حقيقي بها. والحمد لله، باتت إصداراتنا اليوم تتصدّر رفوف المكتبات والمنصات، ورقيًا ورقميًا.»