
في إحدى ليالي الجوف الصيفية المنعشة التقيت لأول مرة بالأديب: عبدالرحمن الدرعان الذي فضّل أن يكون اللقاء في كوفي بجواره مكتبة تفوح منها رائحة الكتب كما تفوح رائحة القهوة من الكوفي، حدثني في هذا اللقاء عن بعض محطات حياته وعلى الرغم من تحفظه إلا أنه حين يسترسل بالحديث عن محطة أتشوق لتفاصيلها أكثر، وكيف ستكون نهايتها التي عادة ما تكون غير متوقعه، وكأنه كان ينسج قصة أو يحدثني عن فلم أو رواية. نشأ الدرعان في بيئة مثقفة في زمن قل فيه المثقف، فوالده يملك مكتبة منزلية بسيطة كانت تستحثه دوماً للغوص في عالمها، حتى وقع في إدمانها أخيراً، كما كان في طفولته مرافقاً لوالده إلى كتاتيب الشيخ فيصل المبارك حيث كان يدرّس الطلاب فيها، فإذا فرغ والده من الطلاب أخذ يتكئ إلى زاوية قصية يتحدث إلى الشيخ المبارك في الشعر وقصص العرب، فاسترق الطفل السمع بينهم وحفظ ما تيسر له من الحديث الذي صيّره فيما بعد شاعراً ينزف الألم والمعاناة إلا أنه لم يشأ أن يبقى، بل جمع كل القصائد عن بكرة أبيها قبل أن تسيطر عليه فكرة طباعة ديوانه ثم أضرم النيران التي لم تبقي ولم تذر من الشعر شيئا ومضى دون أن يشعر بالجرم الذي أقدم عليه وكأن شيء لم يحدث. لم يتأثر الدرعان في كتاباته القصصية أو الروائية كما يزعم الآخرون بكاتب عالمي أو عربي بل أنه استمد ذلك متأثراً بالبيئة من حوله حيث كان يستمتع بقصص الجدة قبل النوم وأساطيرها الشعبية بين الحين والآخر، فبدأ بمداعبة القلم والإبحار خلف الخيال القصصي الذي توسع معه في حصص التعبير الدراسية وطوّر من تحليقه الإبداعي التخيلي بمتابعة المدرسين وتشجيعهم حينها، ولحسن الحظ أن هذه الروايات والقصص لم يمرها ما مر بالشعر. شغل الدرعان خلال مسيرته الثقافية العديد من المناصب، فعمل في إدارة الثقافة والمكتبات في التعليم، ثم عمل في نادي الجوف الثقافي الأدبي، ثم انتقل إلى مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، وشهد عمله في نادي الجوف الأدبي الثقافي عودة الروح في ثقافة المنطقة حين استحدث لجانٍ ثقافية في محافظاتها وقراها، كانت شريكة في رسم خارطة الثقافة فيها. كما صدر له مجموعته القصصية (نصوص من الطين) و(رائحة الطفولة) بالإضافة إلى كتاباته الصحفية في عدد من الصحف والمجلات المحلية، وكتبت عنه ترجمه في كتاب (أدباء الجوف ومثقفوها) الصادر عن نادي الجوف الثقافي عام1439هـ. وكان ذلك اللقاء التعريفي محاولة مني ليكون لي قصب السبق باللقاء به والحديث إليه ضمن حلقات برنامجي التوثيقي(سِيَر) عبر اليوتيوب، فكانت الموافقة منه حلم تحقق لكن الظروف وقفت عائقاً بيننا، و لم أفقد الأمل حتى الآن. الحقيقة أن الكتابة عن أبي مازن بالنسبة لي ممتعة على الرغم من أني لم أحط به علماً ومعرفة لكن لعل اعجابي بثقافته يشفع لي بهذه المغامرة، التي أتمنى في ختامها أن يطلق سراح مذكراته الثقافية من سجن ذاكرته وتوثيقها فنلتهما بعد أن كنا زمناً نستمتع برائحتها الشهية كلما سنحت لنا الفرصة باللقاء به.