دعوة لإنهاء الرواية المنتظرة.

التقيت الأستاذ عبد الرحمن الدرعان العام المنصرم في بيت صديق الجميع الأستاذ محمد القشعمي، تحفز سؤال ملح كان يخامرني، سؤال لا يخصني وحدي فقط، بل هو سؤال مشروع يطرحه الجميع من محبيه ومتابعيه الذين لفت انتباههم واستأثر باهتمامهم بما قدم لهم من إبداع متميز في السرد، من خلال مجموعتيه اليتيمتين نصوص الطين، ورائحة الطفولة المدهشتين. حاولت أن أتحاشى السؤال مترددا أن أساله في لقاء خاطف عن أحواله الإبداعية، سؤال ينطوي على مطالبة ملحة بتقديم المزيد، فمن قرأ مجموعتيه القصصيتين يطمع في المزيد، لإبداعه القصصي، وبالطبع نطمع أن يكون عمله السردي المنتظر رواية. تحفظت على سؤالي، وأراحني القشعمي الحريص على مواصلة العطاء، ولا يقبل الأعذار تحت أي مبرر، بتوجيه سؤاله عاريا ودون تمهيد: ما هو آخر الإنتاج؟ سؤال قصير أطلقه القشعمي بطريقة كزجرة مستجوب لا يقبل المراوغة، والتملص من الإجابة، هو السؤال ذاته الذي طرحته الكاتبة مريم الحسن في لقائها بالدرعان بصيغة أكثر رقة. هل لديك مشاريع أدبية قادمة؟ لم نظفر بجواب مفصل على سؤال القشعمي، أجاب هناك مشاريع. شعرت أن جوابه المقتضب مراوغة، يشبه جوابه على سؤال الأخت مريم: لدي أكثر من مشروع، أرجو أن يمنحني الحلم والوقت فرصة لإنجازها. إناطة عبد الرحمن انجاز مشاريعه الإبداعية بالحلم والوقت وعد ليس صريحا، كنا نطمع في جواب صريح فحواه أنجزت رواية، وأبحث لها عن ناشر. ويوثق جوابه بقراءة مقطع منها. هذا هو الجواب المطلوب الذي يشفي الغليل. لم يمنحنا جوابا كهذا نعده بشارة بأن ما ننتظره قريبا سيرى النور، اكتفي بابتسامة مفتوحة على كل الاحتمالات. حاولت أن أستشف من ابتسامته تأكيدا أنه سيخرج روايته عما قريب من مختبره السردي ناضجة. كفى يا عبد الرحمن تأجيلا، اخرجها من مخبرتك، أو كهفها لقد عتقت بما فيه الكفاية، بالقدر الذي يجعل قراءها في نشوة ودهشة، أخرجها للعيان دون مماطلة لن تكون أقل مستوي من رائحة الطفولة ونصوص الطين، وأضمن لك أنها ستحظى بحفاوة واهتمام. ابتسامته الغامضة التي حاول أن يواري خلفها جوابه على سؤال القشعمي تركتنا معلقين ننتظر بلهفة. أنا مقتنع أن هذا الرجل المثقف الواعي المحمل بهموم مجتمعه وهموم الإنسان بشكل عام عنده الكثير ما يود قوله، مما رصده بقوة ملاحظته في مجتمعه، وحمله هما واهتماما، وأن الرجل يمتلك القدرة الفذة أن يقوله ويحسن القول، خاصة أنه يتمتع بعزم وجلد، كما يمتلك طاقة إبداعية ومقدرة فنية، ومسلح بوعي عميق لما يجري من حوله، ويتكئ على حصيلة ثقيلة غنية، يضاف لهذا كله ما صرح به في لقائه مع الأخت مريم، وهو ما يطمئننا حين قال:( منذ أن عثرت في هذا العالم على الكتابة اعتبرتها عزائي وحياتي السرية التي ألجأ إليها هربا من إكراهات الحياة وزيفها وقبحها ونقصانها ). هذه القناعة تلغي معاذيرك يا عبد الرحمن كافة، وتبطل الذرائع الواهية كخيانات التقنية، حيث تعرضت بعض نصوصك شبه المكتملة للفقدان، الأمر الذي كبدك كما قلت باليأس والإحباط وأصابك جراء ذلك بالحبسة لفترات متقطعة. نحمد الله أنك تعافيت من الإحباط والاكتئاب الذي سببته تلك التجربة القاسية التي شلت يدك، كما قلت حين ابتلع كمبيوترك نص روايتك الأولى التي على وشك الاكتمال، إنه احباط قاس. إني أدرك مرارة معاناتك جيدا، فقد تعرضت لمثل هذه الخسارة الفادحة تجربتي الأولى الروائية، وكانت مخطوطة في دفتر قبل عصر الكمبيوتر قذفتها الوالدة، رحمها الله، وعفا عنها، في حملة تنظيف للبيت، فتشت عنها في حاوية الزبالة متأخرا، لم أعثر لها على أثر حزنت، لازمني الإحباط سنينا مترددا أن أعاود التجربة المرة، حتى قرأت عن تجربة مشابهة مر بها المؤرخ البريطاني توماس كارليل المؤرخ الاسكتلندي حين قدم مخطوطة أحد كتبه لمحرر يراجعه، واحتاجت زوجة المحرر لبضع ورقات لإشعال الموقد، وأخذتها من مقدمة الكتاب، يبدو أنها مهمة كمقدمة ابن خلدون تضمنت خلاصة أفكاره، أحبط المؤرخ واكتأب، رأى ذات يوم وهو واقف أمام نافذته مكتئبا بناء يرفع صخرة صخرة حتى شيد الحائط، حاكى البناء وأعاد بناء مقدمته كلمة كلمة حتى أعاد صياغتها. ما يطمئن أن عبد الرحمن مبدع شمولي كتب في السرد، ونظم الشعر وله علاقة بالرسم، هذا يعني أنه يجيد رسم ملامح الشخصيات، وتجسيد الصورة، ويحسن فن إدارة الحوار المتقن بين الشخصيات، وتصوير الموقف بكلمات منتقاة تقوم بدورها في نقل ما يود إيصاله للقارئ لتغدو نصا سرديا، وملكة الشعرية تمده بالكلمات المجنحات وتدبجها ليصوغ منها سردا وكأنه ينظم شعرا. بالتأكيد عاش ذاك الشعور الجميل حين تتكون الألوان مشاهد وأشكالا لتمتع الناظرين، عاش هذه المتع الخلاقة، وهي تتكون رسائل لا يشعر بها إلا من يمارسها. باسم متعة الإبداع أدعو عبد الرحمن أن يجلس على كرسيه، ويفتح جهاز الحاسب، هذه المرة لن يخونك، هذه المرة روايتك تراودك بإلحاح، انبذ المعاذير إنها لا تليق بك، ثق أن روايتك لن تتمنع، بل ستقول: هيت لك. ابدأها جملة جملة وستعيد تش ييدها من جديد في بناء جميل أجمل مما فقدت، وأعمق.إن بدايتك الواعدة رائحة الطفولة ونصوص الطين تعدنا بروائع ذات روائح متميزة فذة وأخاذة رائحة الشباب، ورائحة الصبا، ورائحة الكهولة. ليس صعب عليك، ولا مستحيل أن تقدم هذا الإبداع، فإلى جانب ثراء تجربتك يسندك عمق ثقافتك، وقوة صلتك بواقعك ومجتمعك، وتمتلك ما لا يمتلكه كثير من كتاب السرد، تمتلك زمام لغة بليغة ذات جمال وبيان تتاخم الشعر، فأنت بشهادة الجميع شاعر حتى إذا نثرت، خاصة أنك الآن تنعم بفائض من الوقت، لا عمل في سلك التدريس ينهكك، ولا انشغال في مؤسسة ثقافية كرئاسة نادي الجوف الأدبي، ولا مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، مشاغل تلتهم وقتك وتشتتك. لا تتأخر الآن الفرصة سانحة أن تقدم لنا ما نصبو إليه من إبداعك الجميل، تقدم ما تأخرت عن تقديمه لقارئك الشغوفين بإبداعك، الذي اتسم بالريادة، مما جعله يحتفظ بقيمة جمالية، حيث تعد قصصك من النماذج الأكثر اكتمالا. لا تتأخر أكثر فهناك كثير من المهتمين بالسرد متعطشون لجديدك، بالتأكيد لن يكون ما ستقدمه لنا أقل شأنا مما أتحفتنا في مستهل عهدك الإبداعي. ألح في طلبي هذا من أجل المتعة والفائدة، ومن أجل أن يكون بين يدي مجموعة من أعمالك الإبداعية المتميزة، لتكون مصادري ومراجعي لأكتب عنك ما تستحقه، ولا أتلكا في تلبية طلب للمشاركة في الحديث عن إبداعك، كما تلكأت هذه المرة عندما طلب مني الصديق محمد الهلال المشاركة في ملف عنك، وأنت من يستحق الكتابة عنه، والإشادة.