قلوبٌ ليست حجرًا.

وأنا متوقّف عند الإشارة الحمراء، باغتتني دموعي وأنا أفكّر في حال عزيز يمرّ بظروف صحية صعبة. التفتُّ قليلًا إلى اليمين، فإذا بفتاة توثّق بكاميرا هاتفها كوب قهوتها بسعادة غامرة. تحوّلت الإشارة إلى خضراء، ومضى كلٌّ في سبيله، لا الإشارة أدركت معنى تلك الدموع التي انهمرت فجأة، ولا يعنيها بحالٍ مشاعر أصحاب المركبات خلفها. ذلك مشهد من طبيعة حياتنا التي لا تتوقّف عند أحد، ويمضي دولابها متجاوزًا أحزاننا ولحظاتنا الجميلة التي نتمنّى لو امتدت أطول مع من نحب. قلوبنا ليست صخورًا صمّاء، ومن الطبيعي أن تنتابنا مثل تلك المشاعر في مواجهة ظروف الحياة أحيانًا. وقد وصف تميم بن مقبل - الشاعر الجاهلي - هشاشتنا أمام الحوادث مبكرًا، فتمنى على سبيل المجاز: ما أطيبَ العيشَ لو أنّ الفتى حجرٌ تنبو الحوادث عنه وهو ملموم لم يرد في قوله “لو أن الفتى حجر” أن يكون الإنسان حجرًا على الحقيقة، وإنما أراد ثباته أمام تقلبات الأيام. لكن بشريتنا ومشاعرنا لن تجعل قلوبنا تشبه ذلك الحجر، كما هي تلك الإشارة المبرمجة لأداء أدوار محددة، لكنها تذكّرنا بأن علينا المضي مع الحياة، فلا شيء يدوم على حاله. وكما أن مواساة أحبابنا ومشاركتهم أحزانهم أمر مطلوب بقدر لا يخرجنا عن إيماننا بقضاء الله وقدره، فإن المضيّ إلى الأمام حتميّ كي لا يفقد الإنسان توازنه. ومن أراد صفاء الأيام على الدوام، فلن يجده إلا على طريقة المتنبي: تَصفو الحَياةُ لِجاهِلٍ أَو غافِلٍ عَمّا مَضى فيها وَما يُتَوَقَّعُ ولعل في التوازن راحة، فلا ينبغي أن يكون الإنسان مسرفًا في مشاعره تجاه من يحب، حتى لا تهزمه الظروف حين يهجره أو يرحل عنه للأبد. ورغم أن المشاعر قد تتمرّد على المنطق، إلا أن الحياة ما تلبث أن تعيدنا إلى عقلانيتنا، لنكتشف أنها لا تُعاش بالانغماس العاطفي المفرط. إشارات كثيرة غير تلك الحمراء تحيط بنا، وتحتاج إلى قليل من التأمل. من بينها تلك النافذة في غرفة المريض المستلقي على السرير الأبيض – شافاه الله – والتي تطل على حديقة المستشفى المجاورة، حيث يلعب بعض الأطفال. وإذا مدّ النظر قليلًا، رأى الشارع يكتظ بحركة المركبات العابرة، وكذلك الأحياء المجاورة، حيث تمضي الحياة كأن شيئًا لم يكن، حتى وإن تباطأ الزمن داخل الغرفة عند قلبٍ ينتظر الشفاء.