
في قلب العاصمة السعودية، وبين شاشات تتلألأ بألوان الخيال الرقمي، وعقول تتّقد بالمهارة والتحدي، كانت الرياض في يوليو من عام 2025 على موعد مع نسخة ثانية من بطولة عالمية استثنائية، تأخذ من التقنية وقودًا، ومن طموح الشباب جناحين: إنها كأس العالم للرياضات الإلكترونية، الحدث الأضخم من نوعه في تاريخ الألعاب الرقمية. من "Gamers8" إلى منصة عالمية لم تكن هذه البطولة وليدة صدفة أو رهان عابر، بل ثمرة لرؤية استراتيجية بدأت ملامحها بالتبلور منذ مهرجان Gamers8 الذي أُقيم لأول مرة عام 2022. آنذاك، لم تكن السعودية تحاول اللحاق بالركب، إنما كانت تبني مسارًا خاصًا بها، استند إلى أهداف رؤية 2030، وتمثل في التأسيس لمؤسسة قائمة بذاتها Esports World Cup Foundation بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، لتكون المنصة الأم لبطولة تحاكي في ضخامتها كبرى التظاهرات الرياضية العالمية. بطولة 2024 في نسختها الأولى 2024، استضافت الرياض أكثر من 2000 لاعب من 200 نادي، تنافسوا في 22 لعبة إلكترونية، تنوّعت بين ألعاب الرياضة، القتال، الخيال، الذكاء، والاستراتيجية. وعلى مدار أسابيع، تحوّلت العاصمة السعودية إلى مركز للضوء والتفاعل الرقمي، في حدث فاق كل التوقعات، من حيث التنظيم، التفاعل الجماهيري، والجوائز التي بلغت 62.5 مليون دولار، كأعلى قيمة مالية في تاريخ الرياضات الإلكترونية آنذاك. نسخة 2025: طموح لا يتوقف مع عودة البطولة خلال الفترة 7 يوليو- 24 أغسطس 2025، اتّسعت رقعة الألعاب المشاركة إلى 24 عنوانًا عالميًا، وأكثر من 2000 لاعب و200 نادي، وبرزت مفاجآت من العيار الثقيل، أبرزها اختيار نجم كرة القدم كريستيانو رونالدو سفيرًا دوليًا للبطولة. وبلغت القيمة الإجمالية للجوائز ما يزيد عن 70 مليون دولار، في تأكيد جديد على أن السعودية لم تكتفِ بالتنظيم، وإنما ترسّخ ريادتها في هذا القطاع العالمي الصاعد. السعودية في الصدارة: لماذا؟ تمكين الشباب تمثل الفئة الشابة أكثر من 70% من سكان المملكة، ما يجعل التوجه نحو الرياضات الإلكترونية تفاعلًا مع نبض المجتمع الحقيقي. من خلال هذه البطولة، يُمنح الشباب فرصة للانتقال من الهواية إلى الاحتراف، ومن اللعب في غرف مغلقة إلى التنافس على منصات عالمية. نموذج اقتصادي جديد تُسهم الرياضات الإلكترونية في تحريك قطاعات التقنية، والبث، والبرمجة، والإعلان، وصناعة المحتوى. المملكة، من خلال استثماراتها في هذا القطاع، تؤسس لنموذج اقتصادي قائم على المعرفة، يرتبط بالسوق الرقمية العالمية، ويخلق وظائف وفرصًا تتماشى مع المستقبل. توسيع القوة الناعمة في عالم اليوم، لا تتجلّى الريادة فقط عبر التجارة أو النفط، وإنما من خلال التأثير الثقافي. السعودية، بتنظيمها لأكبر بطولة في هذا المجال، ترسم صورة جديدة عن نفسها، باعتبارها حاضنة للمواهب ومركزًا عالميًا للابتكار والترفيه. الحوار الثقافي الرقمي من خلال مشاركة فرق من أكثر من 100 دولة، تتحول البطولة إلى مساحة لقاء ثقافي جديد، حيث تُصبح المهارة هي اللغة، والشاشة هي الجسر، ما يجعل الرياضات الإلكترونية أداة معاصرة للتقارب الإنساني. الكأس.. فنّ يتوّج الإبداع صُمم كأس البطولة في لندن على يد شركة Thomas Lyte المتخصصة، بطول 60 سم ووزن يتجاوز 9 كجم، من الفضة المطلية بالذهب عيار 24. زخرفته تحمل رموزًا من الثقافة السعودية كالنخلة، والخط العربي، والأقمشة التراثية، متداخلة مع أيقونات العالم الرقمي. تحفة تنتمي للقرن الحادي والعشرين بكل ما فيه من مزج بين الجذور والطموح. ما بعد البطولة: بناء نظام مستدام لا تتوقف قصة البطولة مع إعلان الفائز. فقد أطلقت مؤسسة كأس العالم برامج لرعاية المواهب، وشراكات تعليمية مع الجامعات، ودعمت تأسيس أكاديميات خاصة بالألعاب الرقمية. هذا يعني أن ما يحدث في الرياض ليس لحظة احتفالية، وإنما لبنة في بنية بيئية شاملة تهدف إلى تمكين الشباب وتعزيز اقتصاد المعرفة. بين الخيال والواقع.. شباب يقودون ما بين الأزرار والمجسمات ثلاثية الأبعاد، لا يُقاتل اللاعبون بسيوف أو دروع، وإنما بالإبداع، الدقة، والسرعة. السعودية، في هذا السياق، لا تصنع حدثًا وحسب، لكنها تكتب فصلًا جديدًا من علاقتها بشبابها، وترفع راية المنافسة العالمية في ميدان لا تحدّه الخرائط، ولا يقف عند شاشات العرض. هذه البطولة ــ بكأسها، وجوائزها، ومبادراتها المصاحبة ــ تمثل تجليًا واضحًا لفكرة أن الترفيه حين يُدار بفكر استراتيجي، يتحول إلى أداة للتنمية، ومختبر للإبداع، ومحرّك لاقتصاد المستقبل.