السَّـفرُ بين ( مُكْتشفٍ ) و( مُنْكَشِف ).

الإنسانُ والسَّـفرُ علاقَـةٌ راسـخةٌ ، وارتباطٌ زاخرٌ بالأحداثِ ، ومليءٌ بالتجاربِ والمواقفِ التي لاتكادُ أن تنتهي مع الزمن ، ولاتنقطع تحت أي ظرف ، ولو شابها بعض المشاق ، ورافقها الكثير من العوائق ؛ إلاَّ أنَّـهُ يدفعُ لأجلها تذاكر المتعة ، ويصطحبُ لبلوغها حقائب الراحة . **** ومازال الإنسان وعبر القرون الماضية ، والأزمنة المختلفة في رحلةٍ مع المعرفة والاكتشاف ؛ فها هو ومن خلال السفر المتواصل يتعرفُ على ألوانٍ شتَّى مِنْ أغراض السفر ؛ فمارسَ السفر للتعليم ، وللتجارة ، وللاكتشاف ، وللتأليف وغيرها من تلك الأغراض ، وبحسب الغاية منها والهدف المرسوم لأجلها ؛ تفاوتتْ مُدَّةُ وقتها وإقامتها ،فرحلةٌ كتلك التي قام بها العالم الأندلسي ( ابن جُبير البلنسي ) والتي استغرت ثلاث سنوات ، دوَّنَ من خلالها كلَّ ما مر عليه من مُدنٍ ، وشاهد من عجائبٍ وبدائع ، وصادف من أهوالٍ وأحوالٍ ، وبلدانٍ وقرى ، جمعها في كتابه ( تذكرة بالأخبار ، من اتفاقات الأسفار ) نال فيما بعد على اهتمام الكثير من المُستشرقين ، أحدهم المؤرخ الإنجليزي ( وليام رايت ) الذي قام بنشره وطبعه ؛ ليقتنيه اليوم الملايين من المهتمين بعالم السفر واكتشافاته ، ومغامراته . **** رحلةُ ابنُ جُبيرٍ هي واحدةٌ من مئات الرحلات التي كتبها الزمن بأقلام أصحابها الذين ركبوا الأهوال ، وتجشَّموا المصاعب ؛ لبلوغ غاياتهم وأغراضهم من السفر ، ومقاصدهم من الرحلات . **** واليوم وفي عصرنا الحاضر أصبح أمر السفر في متناول اليد ، وفرص تحقيق رغباته لم يعدْ بالشيء الصعب ، فكلُّ السُبل متوفرة وحاضرة من وسائل نقلٍ ، وحجوزات ، وإقامة ، واتصال ، وتوثيق ، وغيره الكثير ممَّا أسهم في زيادةِ أعداد المحلقين فوق القارات الست ، لكن قلّة هم الذين جعلوا من السفر وسيلة للاكتشاف والاطلاع ، والتعرف على حضارات وتقاليد تلك البلدان التي يقصدونها . الغالب من المهتمين بالسفر اليوم لم يوجهوا غاياتهم إلى ما يضيف لرصيدهم الحياتي من معلومات أو ثقافات ، بل انصرف همهم واهتمامهم لنقل عالمهم الخاص ، وأحداث يومياتهم المتكررة ؛ ليصبحوا ( منكشفين ) لا ( مكْتشفين ) !