هل الإبداع خاضع للمزاج؟

هل الإبداع خاضع للمزاج؟ أم أن المبدع هو من يطوّع مزاجه لصالحه حتى وإن لم يكن في أفضل حالاته؟ فالكاتب، كغيره من الناس، تمر عليه ظروف قد لا يكون فيها المزاج رائقًا، وقد تتعطل معه قدرته على الكتابة، ومع ذلك تجده ملتزمًا بكتاباته، بل وقد يخرج من مزاجه المتعكر بمقال رائق غاية في السلاسة. المزاجية ليست مرضًا بالمعنى الطبي دائمًا -كما تشير دراسات- بل هي سمة نفسية تتمثل في تغيّر الحالة الشعورية أو الحافزية، حيث يكون المرء في بعض الأحيان في قمة التركيز، وفي أحيان أخرى فاقدًا للرغبة والدافع. وغالبًا ما ترتبط المزاجية بالقلق، أو التوتر، أو الرغبة في الإتقان المطلق، أو الضغوط الاجتماعية. في تجارب الكتّاب والأدباء ما يشير إلى أن الكتابة دُربة، وفعلٌ يتقوّى بكثرة الممارسة، ولا تنفع معه فترات الانقطاع الطويل. تمامًا كما نسمع عن “لاعب مزاجي” لا يتألق إلا حين يكون في مزاج جيد، رغم أن الجمهور والنادي لا يعنيه كل ذلك، خصوصًا في عصر الاحتراف، فاللاعب مطالب بالعطاء طالما توفرت له ظروف اللعب. وتخيّل أن يدخل الإنسان إلى عمله حاملاً مزاجه المتعكر، فينعكس ذلك على سلوكياته وتعاملاته! من خلال تجربتي المتواضعة، أجد أن على الإنسان أن يتجاوز تأثير المزاج، ويدرب نفسه على الفصل بين حالته النفسية ومهامه؛ فلا ذنب للناس في تقلباته. وهذا ليس صعبًا، بل يتطلب وعيًا وممارسة، تمامًا كمن يستيقظ صباحًا منزعجًا، ثم يتعلم أن يضبط انفعالاته لئلا يؤذي من حوله. تشير الدراسات إلى أن أصحاب الحس الإبداعي يمتلكون جهازًا عصبيًا أكثر استجابة للمؤثرات، مما يجعلهم أكثر عرضة للتقلّب. لكن يمكن التعامل مع المزاجية بخطوات بسيطة: فهم الذات، خلق طقوس محفّزة، تجاوز انتظار الإلهام، ممارسة الانضباط المرن، والاهتمام بالصحة. وبهذا التوازن، يصبح الإبداع عادة، لا رهينة لمزاج. فالمبدع الحقيقي ليس من يكتب فقط حين تروق له الدنيا، بل من يُشعل شعلته في العتمة، لأن الإبداع في جوهره موقفٌ من الحياة، لا مجرد انفعال لحظي. أقف أحيانًا أمام لوحة المفاتيح لوقت طويل، دون أن تومض في ذهني فكرة تستحق، وأعلم في قرارة نفسي أنها ستأتي، كما فعلت الآن.