في العدد 43 من «متابعات أفريقية» ..

رصد التفاعلات الحضارية والتحولات السياسية في إفريقيا.

تناول العدد 43 من مجلة متابعات إفريقية، الصادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، طيفًا واسعًا من الموضوعات المرتبطة بالقارة الإفريقية، في سياق ثقافي وسياسي معاصر، يجمع بين التحليل الأكاديمي والرصد الميداني. ضم العدد، الذي صدر في ذي الحجة 1446هـ – يونيو 2025م، دراسات محكّمة وتقارير معمقة، تسلط الضوء على قضايا لغوية وثقافية ذات امتدادات تاريخية، إلى جانب تحليلات سياسية وأمنية لواقع القارة وتحدياتها الراهنة. وقد شارك في إعداد محتوياته نخبة من الباحثين من مختلف الدول الإفريقية والعربية. في افتتاحية العدد، طرح المحرر رؤية شاملة حول ما وصفه بـ»المثاقفة» بين العالم العربي والعوالم الإفريقية، مؤكدًا أن التفاعل التاريخي والثقافي بين الجانبين يتجاوز مجرد التبادل اللغوي أو الديني؛ ليشكّل نمطًا مركبًا من التداخل الحضاري، يتجلى في التقاليد والرموز والقيم واللغات. ومن بين أبرز موضوعات العدد، دراسة رائدة بعنوان: «شعب التيغري (البني عامر) ولغته: نموذج للتفاعل بين شعوب منطقة القرن الإفريقي وشعوب شبه الجزيرة العربية»، للباحث السوداني أ.د. كمال محمد جاه الله الخضر. تناولت الدراسة الأصول السامية لهذا الشعب، وانتشاره بين إريتريا والسودان، وأثر الثقافة العربية والإسلام في لغته وسلوكياته، إلى جانب تحليلات لغوية معمقة حول استخدام التيغراييت للحرف العربي، وتداخلها مع اللغة العربية في السياقات الدينية والتجارية. كما ناقشت المجلة النزعة الصوفية في الأدب العربي السنغالي، في دراسة للدكتور محمد نيانغ، واستعرضت سيرة الإمام المغيلي بوصفه فقيهًا ومصلحًا أسهم في بناء مفاهيم «فقه الدولة» في السياق الإفريقي. وتناول العدد أيضًا ظاهرة الاستعراب الفرنسي في تونس خلال الحقبة الاستعمارية، بوصفها محاولة منظمة لتفكيك الروابط الثقافية بين العرب والأفارقة. في المحور السياسي، ركّزت المجلة على تحولات إقليمية حاسمة؛ من بينها الذكرى الخمسون لتأسيس منظمة «الإيكواس»، والتحديات البنيوية التي تواجهها في ظل الانقلابات العسكرية المتكررة، ومحاولات الانفصال التي عصفت ببعض دول غرب إفريقيا. وقدّم الباحثون قراءات معمقة عن مدى فاعلية هذه المنظمة، وآفاقها المستقبلية، وتأثير القوى الإقليمية والدولية في قراراتها. وشملت التقارير تحليلات حول علاقة المؤسسات الاقتصادية مثل «سيماك» وصندوق النقد الدولي بالدول الإفريقية، ومدى توظيفها لخدمة مصالح سياسية، إلى جانب دراسة خاصة عن الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، باعتباره نموذجًا للصراعات المركبة التي تتداخل فيها الموارد الطبيعية مع العوامل الإثنية والسياسية. أما في قسم عروض الكتب، فاستعرض العدد عددًا من المؤلفات الحديثة حول التداخل الثقافي بين المغرب العربي والسودان الغربي، و»رحلة الوارجلاني إلى الحج»، والتواصل التاريخي بين شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية. يُذكر أن متابعات إفريقية مجلة فصليّة، تصدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وهي سلسلة أكاديمية تُعنَى بتحليل الشأن الإفريقي من زوايا متعددة، وتفتح المجال أمام المقاربات الفكرية الجديدة؛ لفهم ديناميات التفاعل داخل القارة، وعلاقتها بالعالم العربي.