رقص لاسم الوردة وسيرة وقت خارج المكان.

أتصفح حاليًا أعمال ندوة مصغرة اهتمت بمناقشة المنجز السردي في المملكة، عُقدت في نادي الطائف الأدبي قبل أكثر من ثلاثة عقود، وشارك فيها عدد من الباحثين، ومع أهمية تلك الأوراق المقدمة يُلحظ استمرار الأسماء المشاركة في الكتابة النقدية، وعبور معجب الزهراني إلى دائرة الكتابة الإبداعية؛ فكتب رواية “رقص”، ثم أضاف سيرة ذاتية “سيرة الوقت”، وأصدر سيرة أخرى “مكتب على السين” عن عمله في معهد العالم العربي، وأحسب أن ذلك الانتقال وإن بدا منفصلًا عن النقد، إلا أن له ما يسوغه في تفاعل الجانب النقدي مع الجانب الإبداعي، وكلاهما كتابة تسعى إلى الإفادة من الأخرى، لكنه تمكن من الإفادة منها بجعلها مرنة وقابلة للتطوير، وأصبحت حروفه مداخل إبداعية تستدعي التوقف، لقد سعى إلى أن يؤثث سرده ما عجز النقد عن تأسيسه، وبما أن السرد يمثل تجسيدًا حيًا للأفكار وفقًا للناقدة ريتا فلسكي فقد كانت روايته ومن ثم سيرته المجزأة إلى جزئين عرضًا مبسطًا لما أراده من أفكار، بعد أن أضحت كتابة الرواية حديقة للمفاهيم، وهو في هذا ليس مبتدعًا بل سبقه كثير من المبدعين الأكاديميين عربيًا وغربيًا، ذلك ما أدركته ليندا هتشيون التي وصفت روايات الأكاديمي الإيطالي إمبيرتو إيكو بكونها آلات سردية تُجسِّد دراميًا عمليات التأويل، التي نظّر لها بوصفه دارسًا سيميائيًا؛ فكانت أعمال إيكو محاكاة سردية لأفكاره النظرية، ومثل ذلك يتخلق السؤال عن إمكان درس “رقص” بوصفها ميلًا إلى آلة السرد لتمثيل فكرة الحوارية، التي دافع عنها كثيرًا، فتجلت تطبيقًا حيًا لذلك المفهوم. وباستشهادنا بحضور إدوارد سعيد في النظرية وتأثيره، ونجاحه في كتابة سيرته “خارج المكان”، التي اجتازت حدود السيرة الذاتية إلى حقل الفعل الثقافي، تنبثق أسئلة حية عن تلك العلاقات: هل يرتدي ما كتبه الزهراني سيريًا تلك المظلة التي صنعها سعيد؟ وهل كانت سيرته استلهامًا رمزيًا للأفكار المجردة؟ لقد حملت الكتابة لديه ملامح من ذلك كله، فجمعت بين أسلوب تأملي وحيوية مشعة، وتوجت بشغف روائي وسيري متأثر بخلفيته الأكاديمية أولًا، وبموقعه المراوح بين حضارتين ثانيًا، ما أتاح له الاقتراب من جمهور أوسع، وحرية أكبر، وقناعة بأن السرد يمثل محراب إيمانه، وبوصلة قرائه لفهم العالم.