«أفلام السعودية 11»: النقد والناقد.

تزامناً مع إطلاق النسخة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية، المناسبة السنوية التي ينتظرها المهتمون بالمجال السينمائي عموماً بكثير من الترقب، يعود النقاش الدائم حول فائدة مثل هذه التجمعات الدورية في إثراء وتقييم الفيلم المحلي؛ بخاصة وأن عدداً من الأصوات جنحت إلى الرأي القائل بأن الطابع العام لمثل هذه الفعاليات هو الاحتفاء أكثر من أي شيء أخر، الأمر الذي لا يستدعي الحرص على الحضور والتفاعل معها؛ لانعدام الفائدة المتمثلة في الارتقاء بمستوى الفيلم السعودي بكافة حقوله ومساراته. وقد يكون لهذا الرأي نوع من الوجاهة التي لا يخلو منها رأي قط، ومع ذلك أجد فيه الكثير من السطحية والافتقار العميق في فهم الحالة السينمائية السعودية ومرحلتها الراهنة. لنبدأ من نقطة التسليم بأن غالبية الجمهور، وتحديداً المشتغلين في تقديم أطروحات نقدية عبر الجلسات الحوارية والمنصات الرقمية والإعلامية، هم في المحصلة يتمتعون بذائقة فنية عالية؛ بحكم سعة الاطلاع والمتابعة المستمرة للعوالم السينمائية منذ فترة سبقت حالة الطفرة الفنية والثقافية الحالية في البلاد، لذا من البديهي أن تكون حالة السخط عالية على غالبية المنتج المحلي، والنظر إليه بصفته عمل بدائي ويفتقد إلى الكثير من عناصر الاتقان التي تتمتع بها السينمات التي قطعت شوطاً، وكما هو معلوم فإن هذه السينمات لم تقطع هذا الشوط بسبب تدشين صالات للعرض بل من خلال المواكبة ووضع حجر أساس لبنية فنية مُنتجة بالمعنى الحقيقي، على مستوى مركبات الفيلم الداخلية (نص، إخراج، تمثيل..) وصولاً إلى تعزيز الساحة بتفاعلات إيجابية ترفد العمل، عبر تقويمه وتحفيزه في الآن نفسه (النقد، المهرجانات، الجوائز..). إذن، نحن أمام حالة غريبة بعض الشيء في السينما السعودية، حيث الجمهور يمتلك حالة متعالية مسبقاً على المنتج المحلي، ما يعني انفصاله ذوقياً وتفاعلياً منذ البداية. بهذه الخلفية من الطبيعي أن يتم اجتزاء حدث مثل مهرجان أفلام السعودية عن دوره التاريخي، فهو رغم كافة الملاحظات التي تطاله مثل بقية الفعاليات، من تكرار الأسماء وتهمة المحاباة وسوء الاختيارات، إلا أن ذلك لا ينفي قيامه بدور مثالي يتماشى مع المرحلة الحالية، وهو تعزيز حضور الفيلم ضمن السياق المجتمعي العام، والاستمرار في التعامل مع السينما بوصفها منتج جديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يأتي السؤال: متى تنتهي حالة مهرجان أفلام السعودية بإطاره الحالي؟. يعتمد الجواب على حالة التمرحل التي يفترض أن يمر بها السينمائيون أنفسهم، ففي حال ظلوا على حالهم طويلاً فستستمر حالة الاحتفاء والدعم المعنوي، وعند وجود نقلات نوعية سيضطر المهرجان من تلقاء نفسه إلى لعب دور محوري أخر، مع الأخذ بالاعتبار أن المهرجان نسخة بعد أخرى يسعى إلى نفض ثوبه وتجديد جلده بقدر المستطاع، ما أثمر مجموعة من الخطوات الموفقة وأخرى جانبها الصواب تماماً. بقيت نقطة في غاية الأهمية، وهي أشبه بمصارحة داخلية – داخلية بين المهتمين في تطوير المجال السينمائي في السعودية، وأخص بالذكر المشتغلين في المجال النقدي على الوجه الخصوص، فقبل الحديث عن سلبيات وإيجابيات مهرجان أفلام السعودية علينا أن نتساءل: كم يبلغ رصيد الكثير منا – وليست أُبرئ نفسي! – في استعراض ونقد الفيلم المحلي؟. أزعم بأني محاط بمجموعة لا بأس بها من الفاعلين في مجال النقد السينمائي، وأتابع عن كثب أغلب ما يكتب في المواقع والمنصات والصحف، فأجد أنهم بارعون في مواكبة السينمائيات الأخرى، وإبراز مكامن الضعف والقوة فيها، وهو بلا شك دوري يثري المعرفة السينمائية ويعزز الثقافة بشكل عام، ولكن كيف يستقيم أن يطلق على ناقد ما وصف ناقد سينمائي سعودي ورصيده من تقييم أفلام بلاده لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؟. ففي أي حديث عابر مع هذه الفئة المُتمكنة من أدواتها بشكل رائع ولافت، ستستوقفك معهم نقطتان، الأولى: العالمية لا تبدأ إلا من المحلية والاهتمام بها وإبرازها. الثانية، النقد عنصر أساسي لتطور السينما. إذن، ألا يجب أن نولي السينما المحلية الكثير من الاهتمام النقدي، ولو لم تكن ترتقي للذائقة التي وصلنا إليها، باعتبار ذلك أحد الأدوار المناطة بالناقد السينمائي؟. ليس الغرض من هذا المقال الدفاع عن مهرجان أفلام السعودية، فالمهرجان كما سلف عليه الكثير من الملاحظات وبحاجة لتطوير مستمر، وأيضا ليس غرضه الرفع من قيمة الفيلم المحلي وكيل المديح عليه، بل على الكثير من السينمائيين أن تتسع صدورهم لتقبل النقد، والإقرار بأن غالب ما قُدم ولا ما زال يُقدم يفتقر إلى الاتقان وفيه من الارتجال الشيء الكثير. إذن، الهدف الأساسي من هذا المقال هو مواجهة المشتغلين في مجال النقد وضرورة تغيير خطابهم، من حالة السخط والامتعاض والتعالي، إلى التفكير العملي والمساهمة الفاعلة في إشاعة حالة نقدية يعود نفعها على الجميع.