المُتخَفِّـف

إِلى محمَّد العلي قريبًا في نَأْيِهِ مُتَخفِّفًا كالماءِ من ثِقلِ الحَياةِ وفيكَ تُختَزَلُ الحَياةُ يا أَنتَ، يا مَن حَلَّ بي رِيحًا، فأَقلقَ غَفوَةَ الأَطوادِ قُلتُ: إِقامَةٌ وستَستَجِيبُ لطَقسيَ المَورُوثِ لَكِنَّ الحِجارةَ في دَمي يَنمُو لها رِيشٌ؛ لتَخفِقَ عاليًا فتَغارُ من حَولي حَصاةُ مُتَخفِّفًا مِثلَ السَّحابةِ إِذ تَمرُّ عَلَى نُباحِ فَلاتِنا تَكتَظُّ بالأَعنابِ، والنَّخلِ الفَتيِّ لتَملأَ الصَّحراءَ أَفياءً وزَقزَقةً، ورَقصًا يُستباحُ بها سُكُونُ الصَّخرَةِ الخَرساءِ كُنتَ تُقَطِّرُ الجُمَلَ القِصارَ وتَترُكُ المَعنَى يُسافرُ في الزَّمانِ سَحابةً أُخرَى تُؤَوِّلُ نفسَها في التَّمرِ، والجَمرِ النَّديِّ وضِحكَةِ الأَمواجِ والصَّمتِ الَّذي بُحَّت بحُرقَتِهِ اللَّهاةُ الصَّمتُ سَيِّدُ شِعرِكَ المَوجُوعِ حيثُ تَركتَ كُلَّ قَصيدَةٍ من غَيرِ فَمْ وتَبُوحُ، لَكِنْ لا تَبُوحُ فتَكتَفي بالبابِ مُنفَرِجًا وبالأَنَّاتِ خافِتَةً لتُكمِلَ نصَّكَ المَبتُورَ أَسئِلةُ الأَلَمْ مُتخَفِّفًا من نفسِهِ حيثُ الطَّواويسُ الَّتي من حَولِنا لم تَعرفِ الذَّوَبانَ في غَيرِ افتِراشِ الذَّيلِ تَسحبُهُ وتَطرَبُ للمَديحِ لتَنتَهي فيها الصِّفاتُ مُتخفِّفًا من نفسِهِ حَدَّ الضَّياعِ أَعانَ قاتِلَهُ عَلَيهِ فصادَقَ المَنفَى لماذا اختَرتَ عَكسَ النَّاسِ؟ هل كُنتَ استَرَحتَ لرُؤْيةٍ أُخرَى؟ فَيجمَعَكَ الشَّتاتُ لم تَأْلفِ السُّفُنُ الكَثيرةُ بَحرَكَ النَّائِي القَريبَ فكُنتَ أَكثرَ وَحشَةً حينَ التقَيتُكَ أَحسَبُ الصَّخَبَ الَّذي تَشقَى بهِ رَجعَ الوُحُوشِ الضَّارياتِ منَ الطِّوَى حتَّى إِذا أَحسَستُ بالنَّهشِ اللَّذِيذِ رَكضتُ تُشرِقُ بي الحَياةُ قل لي إِذنْ: ما أَنتَ، والوَجَعُ الَّذي يَمتَدُّ في بَهوِ القَصِيدَةِ إِذ تَصِيحُ بكَ الكتابَةُ: (لم يَعُدْ... إِلَّا الرُّفاتُ)؟! مُتَخفِّفًا من حُزنِهِ بالسُّخرِيَةْ قُل لي: أَ كانت سُخرِيَةْ؟ أَم أَنَّها وجهٌ بَدِيلٌ لانكِسارِ الأُمنِيَةْ؟ مُتخفِّفًا من كُلِّ شَيءٍ كالمَرايا وهيَ تَعرَى كامِلًا إِلَّا منَ الشَّيءِ الَّذي يَدعُ الوُجُوهَ كما هِيَهْ لَكِنَّهُ من فَرطِ ما هُوَ واضِحٌ كالماءِ يَبقَى في السَّحابَةِ أُحجِيَةْ