عبدالله الناصر الوهيبي..

تتلمذ على يد امرأة، ونال الإبتدائية في العشرين.

عرفت الأستاذ الدكتور عبدالله الناصر الوهيبي عند التحاقي بمكتبة الملك فهد الوطنية، وسمعت عن مكانته ودوره العلمي بجامعة الملك سعود وما قبلها وما بعدها، وعرفت عمق علاقته بالرواد، ومواكبته لبداية نشأت الجامعة، إذ كان يعمل بوزارة المعارف من عام 1377هـ مساعداً لمدير التعليم الثانوي، وبعدها مديراً للتعليم الابتدائي، ثم مديراً للتعليم، وكان يتمنى أثناء عمله أن تتاح له الفرصة للعمل بالجامعة، ولعل عودة زميله بالدراسة عبدالعزيز الخويطر حاملاً شهادة الدكتوراه وعمله وكيلاً للجامعة، أتاح الفرصة لنقل عمله من المعارف إلى منصب الأمين العام للجامعة. صرت أقابله عندما يزور مكتبة الملك فهد الوطنية بصفته أحد مؤسسيها ولما يربطه بأمينها الدكتور يحيي بن جنيد من وشيج العلاقة.. وبدأ عملي بتسجيل التاريخ الشفهي والتسجيل مع الرواد، حاولت معه، وهو يعد ولا ينفذ، وصرت أزوره في منزله والمشهور باضاءة مصباح على الباب لمجرد أن يراه الزائر إلى منزله ويعرف وجوده فيدخل ليجد كثيراً من الأصحاب والزملاء والأبناء فيرحب بالجميع هاشاً باشاً ممازحاً، فإذا صافحته قبض على كفك وعصرها حتى تكاد أن تصرخ لولا حياؤك من الموجودين.. كررت دعوتي له، فرد علي إذا جئت إلى منزلي مئة مرة أعدك تلبية طلبك قلت سوف أكتب على الجدار عند كل زيارة ما يثبت حضوري حتى لو لم أجدك. قال لا أن تدخل و»تتقهوى». وهكذا مرت الأيام وزرته قبيل سفره للمغرب بيومين حيث توفي – رحمه الله - وكان مبتهجاً وفرحاً، ولم يلبث أن أخرج من جيبه بطاقة الناخب، وأرانا إياها. وقال: الحمد لله عصفورين بحجر واحد، إذ قمت ببرنامج المشي اليومي ومررت على مكاتب الناخبين – المجلس البلدي – وسجلت اسمي، وكان يحثنا على عدم التنازل عن حق من حقوقنا. اشتهر عنه زهده ورفضه اللقاءات الإعلامية وتواريه عن الأضواء وإن تم وهو نادر فتجد إجاباته مليئة بالسخرية عن نفسه أولاً وعن غيره. قال في مقابلة له بمجلة اليمامة العدد 1493في 17 شوال 1418هـ أنه ولد في شهر شوال سنة 1348هـ في رياض الخبراء بالقصيم، وعاش طفولته المبكرة إلى جانب والدته، إذ كان والده قاضياً في أملج بالمنطقة الغربية، وكان كغيره طفلاً شقياً، ضرب راس أحد أبناء الجيران حتى سال دمه، وما كان من والدته الا أن طلبت منه أن يريها الحجر الذي ضرب بها الطفل، وعند احضاره الحجر ضربته به حتى سال دمه، وبقيت آثار النقر في جبهته إلى وفاته. قال إنه في صغره رعى البهم – صغار الغنم – خارج سور البلدة. وأنه أصيب بالتصاق الرئة لسوء التغذية، ولم يشف إلا بالكي. وبعد أن كبر قليلاً دخل كتاب عمة والده – وهو للأطفال بنين وبنات. انتقل لوالده في أملج عند بلوغه الحادية عشرة من عمره حيث دخل المدرسة الابتدائية. وبعد أشهر توفيت والدته. بعد نوم والده كان يسرق السراج ليقرأ على ضوئه (البداية والنهاية) لابن كثير. وعندما علم والده أصبح يأخذ السراج معه حيث ينام ويستفيد بثلاثة أيام في الشهر من ضوء القمر. عند بلوغه الخامسة عشرة من عمره عمل كاتب ضبط بمحكمة أملج، وفي عام 1365هـ انتقل مع والده إلى محكمة ينبع، ومنها إلى الطائف حيث التحق بمدرسة دار التوحيد، وكان وقتها منتسباً إلى مدرسة الإصطياف الابتدائية التي أخذ منها الشهادة الابتدائية ولهذا نجده يقول: «درست الابتدائية في أربعة أماكن.. بدأتها بكتاتيب الخبراء، ثم أملج، ثم ينبع، وأخيراً الطائف. حيث حدثت المعجزة بنيلي الشهادة الابتدائية بعد أن شارفت على العشرين..». وقال: و»كان زواجي تقليدياً جداً، وكان مكافأة لي على نجاحي في الشهادة الابتدائية سنة 1369هـ» ومن الطائف انتقل عمل والده إلى مكة المكرمة، فانتقل معه ليلتحق بمدرسة تحضير البعثات، وبنجاحه سنة 1371هـ تقرر أن يبتعث للدراسة الجامعية بمصر، على الرغم من معارضة والده، فالتحق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول في القاهرة. ويتذكر من زملائه محمد علي حبشي، ومحمد الشامخ، ومنصور الحازمي، وعبدالرحمن الطيب الأنصاري وأحمد الضبيب، وعبدالعزيز الفدا. ويذكر أن الذي استقبلهم بالمطار وهو على وشك التخرج ناصر المنقور. تخرج من الجامعة عام 1956م بامتياز فعرض عليه العمل معيداً بالجامعة، عاد للمملكة وعرض عليه العمل بوزارة المعارف، ففضل مواصلة الدراسات العليا، فعاد للقاهرة، وتقدم للماجستير مبتعثاً من وزارة المعارف براتب 37 جنيهاً، والعمل بجامعة القاهرة معيداً براتب 7 جنيهات. وفي أكتوبر 1956م قامت حرب العدوان الثلاثي على مصر فتوقفت الدراسة، وبقي هناك حيث تطوع في الجيش المصري هو وزملاؤه، وبعد نهاية الحرب يفاجأ برسالة من الأستاذ عبدالله ابن خميس يخبره بمرض والده، ويرجوه العودة بأسرع وقت ممكن، وهكذا عاد سنة 1377هـ ليعمل بوزارة المعارف مساعداً لمدير التعليم الثانوي بمسمي طبيب عيون، بعدها عين مديراً للتعليم الابتدائي، وبعدها أصبح مديراً عاماً للتعليم. انتدب إلى لندن لدراسة اللغة الإنجليزية، عاد بعدها أميناً لجامعة الملك سعود. بقي يشغل وظيفة الأمين العام للجامعة أحد عشر عاماً بعث أثناءها إلى لندن سنة 1964م لدراسة الدكتوراه، وعاد بالدكتوراه سنة 1969م. بعد تقاعده من العمل بالجامعة عين رئيساً للجنة الإدارية لصندوق التنمية العقاري، ثم رئيساً لمجلس إدارة البنك الزراعي السعودي من سنة 1398هـ حتى نهاية سنة 1408هـ وعضواً بجمعية البر بالرياض، وعضواً بمؤسسة اليمامة الصحفية، كما عمل عضواً في مجلس إدارة مؤسسة الراجحي المصرفية في أول مجلس إدارة له. بالإضافة إلى مشاركته في عدة لجان منها اللجنة الاستشارية التأسيسية لمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض. وقد بدأ الكتابة الصحفية عن بلدة (الخبراء) بجريدة البلاد السعودية في 29 صفر سنة 1370هـ تحت عنوان (ماذا تعرف عن بلادك؟) وصف الخبراء تاريخاً وموقعاً وواقعها الزراعي، وقال إن لهذا المقال قصة وأعتقد أن رئيس تحرير الجريدة عبدالله عريف قابل الوالد بالحرم. وذكر له أنني قد كتبت عن الخبراء – بضم الخاء – وكان وقتها ينتقد بعض الموظفين استقدام الدولة لبعض مواطني الدول المجاورة كخبراء، ويطلق عليهم البعض (الخبثاء) بدل الخبراء، وهكذا سألني الوالد هل كتبت تنتقد الخبراء في الصحيفة؟ فقلت له: بل كتبت عن ( الخبراء ) بلدي، فضحك. اشتهر الأستاذ عبدالله الوهيبي بالمرح والسخرية والتنكيت والضحك حتى من نفسه أحياناً، وكان إذا سلم مصافحاً أحد زواره يعصر يده عصراً حتى يكاد مصافحه أن يصرخ من شدة الألم، وأعتقد أن مثل هذا التصرف لرفع الكلفة وتقريب الآخر من نفسه، بلا حواجز أو فوارق. ومن سخريته على نفسه، فقد ذكر في مقابلة أجرتها معه صحيفة الجزيرة في عددها 3372 ليوم الجمعة الأول من شهر صفر سنة 1402هـ. يقول عن معلمته الأولى في كُتَّاب رياض الخبراء، كانت متحمسة جداً لتحفيظنا القرآن، ولا أعتقد أنها أخفقت في مهمتها إلا معي أنا، فطردتني من كُتَّابها، وذهبت إلى كتاب آخر خاص بالبنين يقوم عليه عمي عبدالرحمن، ولم ينجح في أن يجعل مني طالباً ذا مستوى متوسط على الأقل». ويقول : «بعد وفاة والدي بسنتين ذهبت إلى بريطانيا، وأقمت فيها خمس سنوات، وكنت أنوي البقاء مدة أطول، ولكن الجامعة في لندن – كان سكنه في كمبردج، والدراسة في جامعة لندن– اضطرت إلى إعطائي شهادة سمتها دكتوراه لكي أغادر بريطانيا ، ومنذ سنة 1389هـ وأنا أدرِّس في الجامعة.». وقال : «لقد كبر أبنائي قبل أن أقرر فلسفة معينة لتربيتهم، وكانوا حقل تجارب إن جازت هذه التسمية والأخطاء مشتركة بيني وبين أمهم، والحسنات مشتركة بينهم وبين أمهم» وقال : «لقد ناديت منذ اثنى عشر عاماً [ أي منذ 43 عاماً من الآن] بقصر التعليم في المرحلة الابتدائية حتى العاشرة على النساء، وقامت دراسات جادة حول الموضوع، ولكني تألمت كثيراً عندما أعلن صديقي وزير المعارف أنه قد صرف النظر عن ذلك في الوقت الحاضر.. ولقد كان كبار العلماء من سلفنا الصالح يتتلمذون على المرأة، وكان الحرمان في مكة والمدينة يضمان حلقات التدريس تقوم بهما المرأة». وقال في مقابلة صحفية سابقة بصحيفة الجزيرة 23/5/1392هـ عندما كان أميناً عاماً للجامعة : «اريد من أستاذ الجامعة أن يطامن من كبريائه بعض الشيء، ويشعر أن للمجتمع حقوقاً عليه خارج أسوار الجامعة، وأريد من الطالب أن يرتفع قليلاً فيستشعر الثقة بنفسه، ويدرك أنه ليس صحيحاً كل ما يقوله المدرس أو ما يدونه الكتاب، وأنه يجب عليه أن يناقش ما يسمع وما يقرأ». وعندما رثاه معالي الأستاذ عبدالعزيز السالم قال «.. إنه يمثل بنظرته الساخرة إلى الحياة وفلسفته في هذه الدنيا.. وهو لا يسخر من أحد، وإنما يسخر من نفسه.. حين سأله المحرر ما المناصب والأعمال التي أسندت إلى سعادتكم؟ كان جوابه بالنص الآتي: لم يسند إلى سعادتي أي منصب حتى الآن، وكل المناصب التي تقاضيت مرتبها، كنت مسنداً إليها ولولاها لكنت رأيتني الآن لا أستند إلى شيء بالمرة، فقد فشلت في أن أكون فلاحاً أو جمالاً، ولم أنجح في أن أكون شيئاً غير ذلك». وبعد وفاته رحمه الله نشرت جريدة الجزيرة في 26/11/1425هـ وهي ترثي الدكتور الوهيبي وتقول عن أسباب وفاته «.. وذكرت لنا مصادرنا أن الفقيد توفي بعد أن أنهى تمارينه الرياضية التي تأتي كمفردة أساسية في برنامجه اليومي.. حيث سقط أمام بوابة الحديقة، ثم نقل إلى المستشفى بالرباط، وهو بزيه الرياضي، وكان بجيبه نسخة من القرآن الكريم وأوضح التقرير الطبي أنه توفى نتيجة لسكتة قلبية..!!». ترجم له في ( موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام ) ط2، ج5، 1423هـ ومنها أنه تفرغ للتدريس بجامعة الملك سعود، كلية الآداب ، قسم التاريخ من عام 1392هـ إلى عام 1404هـ. ومن أثاره: رسالة دكتوراة عن ( كتابات الجغرافيين العرب عن شمال الحجاز) حضر العديد من المؤتمرات والندوات العلمية، وله مقالات علمية منشورة في عدد من المجلات المتخصصة وله مشاركات بالكتابة في الصحف المحلية في الإصلاح. وترجم له باختصار الدكتور عبدالعزيز بن سلمة في (اليمامة وكتابها من 1372 إلى 1382هـ) وذكر أن له مقالاً في مجلة اليمامة العدد التاسع لشهر رمضان 1374هـ مايو 1955م – وهو أول عدد طبع بالرياض بعد إنشاء أول مطابع بها إذا كانت تصدر من القاهرة ثم مكة ثم بيروت – وموضوع الوهيبي ( الإسلام والمسلمون) ومقالين في جريدة اليمامة بعد تحولها من مجلة إلى جريدة في العددين 149 و 195. ووجدت له مقالاً ثالثاً في العدد 355 . وبعد عودة صدور اليمامة جريدة في عهد المؤسسات الصحفية شارك بمقالين في العدد الأول في 7/11/1383هـ بعنوان (معرض الآراء .. الإصلاح الذي نريده) والمقال الثاني نشر في العدد 113 في 7/5/1390هـ بعنوان ( كيف نساعد الفلاح). وله أربع مقالات نشرتها له جريدة البلاد السعودية عندما كان طالباً بالقاهرة. ومقال في مجلة المعرفة التي كانت تصدرها وزارة المعارف – العدد الثالث ذو الحجة 1379هـ بعنوان (مجلس مديري المدارس الابتدائية بالرياض.. خطوة ناجحة). واربع مقالات في مجلة الجزيرة، ومقال في العدد الأول من جريدة الجزيرة في 20/2/1384هـ وشارك في مجلة معهد الإدارة العامة، العدد الثاني شوال 1383هـ (تعليم البادية من وسائل توطينهم) إضافة لمشاركته في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول المنعقد في مكة المكرمة 1-5/3/1394هـ بفرع جامعة الملك عبدالعزيز ببحث بعنوان (غزوة بدر إحباط أول مؤامرة على الدولة الإسلامية). وترجم له في (دليل الكتاب والكاتبات) لجمعية الثقافة والفنون، ط3، 1415هـ وبعد ترجمته.. ذكر أنه حصل على جائزة أحمد أمين بمناسبة التخرج بامتياز من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1376هـ 1956م.