البريكي في ضيافة أم الينابيع.

الشعرُ ثمّ الشعرُ كي نحيا الحياةَ كما نحبُّ في الصمتِ بين قصيدتينِ تدورُ بين الناس حربُ في هذا اليوم الشاعريّ الجميل، تتشرف الأحساءُ (أمُّ الينابيع)، ومن خلال منتدى خيمة المتنبي وجميع منتدياتِها الأدبية، باستضافةِ ينبوعٍ شعريٍّ غزير، تتحدَّث مياهُهُ بالفصحى حينا، وحينا آخر بالشعبي؛ ولا نعرفُ إلى أيٍّ منهما تميلُ أداةُ التفضيل لديه. هو شاعرٌ شبيهٌ بالجيوشِ إِذْ ليسَ في حياتِهِ وقتٌ ميِّت، فإمَّا أن يحارب بالشعر، أو يحارب من أجل الشعر، أو يتدرَّب على الحرب في شكلِ تدريبٍ على الكتابة.. إنَّهُ محاربٌ شرسٌ في المعركة الثقافية التي يقودُها سمو الشيخ الدكتور (سلطان القاسمي) ضدَّ الجهل والقبح والتخلُّف في أنحاء الوطن العربي.. إنَّهُ المحارب الذي لا يكادُ يضعُ لامةَ حربه حتى يلبسَها من جديد، فهو مدير بيت الشعر بالشارقة، ومدير مهرجان الشارقة للشعر العربي، ومدير تحرير مجلة القوافي/ الصديق والشاعر الإماراتي الكبير/ (محمد عبد الله البريكي). الشعرُ هويَّتُهُ، وما إنْ يُذكَر اسمُهُ (محمد البريكي) حتى تَفْتَحَ (بيوتُ الشعر) في (الوطن العربي) أبوابَـها، ويتدفَّق منها المئاتُ من الشعراء الذين عبروا من خلاله إلى الشهرة والأضواء. منذ عشرات السنين، ما يزالُ شعرُهُ مَطافًا ومسعًى للنقَّاد والدارسين، فقد كُتِبَتْ عنه عدَّة أطروحات في درجة الماجستير والدكتوراه، وصَدَرَتْ عنه عدَّة دراسات تحليلية ونقدية. وقد حصلَ (بيت الشعر في الشارقة) تحت إدارته على جائزة الأمير عبد الله الفيصل في دورتها الرابعة عن أفضلِ (مشروع لخدمة الشعر). بعد كلِّ ما سبق، ليس غريبا أنْ تكونَ (الشارقةُ) هي قصيدتهُ المفضلة، وأنْ تكون (العروبةُ) هي ديوانهُ الشعري الكبير؛ وإذا كان الشعرُ هو المقياس الدقيق جدا لكثافة الحميمية بين الشاعر وبين ذاته، فنحنُ أمام شاعرٍ قد محا المسافةَ بينه وبين الذات. وإذا كان إبداعُ البحر يتجلَّى في ابتكار اللؤلؤ، فنحنُ أمام شاعرٍ حوَّلَ البحرَ كلَّهُ إلى لآلئ. وإذا كان الحب هو مدُّ الجسور بين البشر، فنحنُ أمامَ شاعرٍ يزرع الفراديسَ في أعماقِ الناس، ويمدُّ الجسورَ بين فردوسٍ وآخر من خلالِ القصائد. منذ أن عرفتُهُ، وأنا أراهُ يحملُ مصباحا في لفتاتِهِ، ليس بحثا عن الحقيقة كما فعل ديوجين، ولكنْ بحثا عن الشعراء الذين يختبئون في الظلال من الخليج إلى المحيط، وربما ما وراءَ المحيط أيضا، كي يمنحَهُمْ حصَّتَهُم من شمس الظهور ونصيبَهُمْ من قمر الحضور. وها هو الآن في الأحساء التي طالما خبزتْ أرغفةَ الحلمِ بلقائهِ في فُرنِ أشواقها، ووزَّعتِ الأرغفةَ على شعرائها الذين لا يقلُّونَ عددا عن عدد نخيلها، كما قال أستاذُنا (مبارك بوبشيت) شفاه الله وعافاه. جاء الأستاذ البريكي إلى الأحساء من (مُدُنٍ في مرايا الغمام)، متَّكئًا على (عكَّاز الريح)، ممتشقًا أوتارَهُ الذهبية و(متأهِّبًا للعزف)، واثقًا أنه لا يوجد بين أبياتِ قصائدِهِ كُلِّها (بيتٌ آيلٌ للسقوط) : لأَجلِكَ اليومَ فاضَ الشوقُ واللَّهَفُ من النخيلِ التي ما خانَـها السَّعَفُ واستقبلتكَ عيونُ الماءِ يملؤُها ما يملأُ الناسَ: هذا الحبُّ والشَّغَفُ يا سادنًا معبدَ الفصحَى وسَيِّدَهُ أَقِمْ صلاتَكَ في قومٍ لكَ اعتَكَفوا إذا تجمَّع أهلُ الشعرِ، وانتسبوا إلى الحروفِ، فأنتَ الشاعرُ/(الأَلِفُ) (محمَّدٌ) شرفُ المعنى وقِمَّتُهُ.. أَنعِمْ بمَنْ فيهِ نالَ القِمَّةَ، الشَّرَفُ!!