حين يزهرُ التعب.

حين تنغمس في المذاكرة استعدادًا لامتحان يقترب، بينما تعمل في الوقت نفسه على إعداد مشاريعك البحثية التي يجب تسليمها في موعدها كي لا تُخصم من درجاتك، وتجد نفسك محاصرًا بمهامك المنزلية والتزاماتك العائلية، وظروف الحياة تدرك حقًا معنى الإصرار على مواصلة دراستك رغم الضغوط الاجتماعية والنفسية. الناس نيام، وأنت مستيقظ تقتنص الوقت للمذاكرة. وربما تصحو حين يغطّ الجميع في نومٍ عميق، فتجد نفسك وحيدًا في صالة المنزل، غارقًا في التفكير والقلق. وحتى حين تتاح لك فرصة للراحة، تظل منشغلاً بأسئلة لا تفارقك: متى سأنهي مهامي؟ كيف سيكون الامتحان؟ هل سيكون مشروعي بالمستوى المطلوب؟ في خضم هذه الضغوط والأسئلة المرهقة، يتجدد داخلك شعور غريب لكنه يبعث الأمل، ويوقظ الشغف. خصوصًا عندما تدرك أنك لست وحدك، فقد سبقك كثيرون سلكوا هذا الطريق، وعانوا من ظروف أصعب، ومع ذلك، لم تثنهم المشقة عن طلب العلم. كما قال أبو تمام: بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التَعَبِ وهو المعنى الذي يشير إليه جلال الدين الرومي بزاوية مختلفة: “لا يتعب الإنسان من العلم، بل يتعب من الجهل.” ما يؤكد أن متعة المعرفة تفوق أي تعب يصاحبها. قد يرى البعض مثل هذه التأملات مكررة، وقد تبدو هذه المشقة أمرًا معتادًا في حياة كل من يسلك طريق العلم، لكنها تظل تجربة فريدة بمزيج مشاعرها بين الإرهاق والإنجاز، وبين لحظات اليأس وفرحة الوصول. فهي تمامًا كما وصفها أرسطو: “جذور العلم مُرّة، لكن ثماره حلوة”، إذ لا تُقطف ثمار المعرفة إلا بعد صبر على تعبها. ولهذا نجد أن من يسلكون هذا الطريق يثرون الآخرين بتجاربهم العلمية والحياتية، بما فيها من لحظات رائعة وعصيبة. وفي الأوقات التي يثقل فيها الإحباط على القلب، قد لا تجد من يربّت على كتفك، لكنك تستمد القوة من داخلك، متذكّرًا جمال ما تمضي إليه. كما قال ألبير كامو: “في أعماق الشتاء البارد، اكتشفت أن في داخلي صيفًا لا يُقهر.” وهذا تأكيد على أن الإنسان يحمل في داخله قوة قادرة على تجاوز الصعاب، والاستمرار في الطريق الذي اختاره. وتذكر قول صاحبنا المتنبي: لولا المشقّةُ سادَ الناسُ كُلُّهمُ الجُودُ يُفقِرُ والإقدامُ قتّالُ