العلاقة بين النحو واللسانيات ..!

     الحقيقة أن اللغة ينبغي أن تكون ملكة، والطريق الطبيعي لاكتساب اللغة هي اللغة نفسها، وليس النحو كقواعد تحفظ عن ظهر قلب، بل اللغة تكتسب بالممارسة؛ لأن معرفة الأحكام والقوانين النحوية ليست هي الشيء المهم، وإنما المهم استعمالها بناء على كلام العرب، يقول ابن خلدون: “ وهذه الملكة إنما تحصل بممارسة كلام العرب، وتقرره على السمع، والتفطن لخواصه التركيبية، ولا تحصل بمعرفة القوانين العلمية من ذلك التي استنبطها أهل صناعة البيان”.     إن المنهجية السائدة في تدريس النحو قديما وحديثا لا تركز على طرائقه ومحتوياته، ولا تنظر إليه على أنه علم غايته تكوين الملكة اللسانية، وإنما هو علم صناعة القواعد النحوية وتلقينها والتركيز على الإعراب باعتباره هو النحو، وقد تسبب هذا في نفور المتعلمين وتذمرهم، ولعل مبعث النفور الأساس يتجلى في سببين: - يكمن في القائمين على تدريس النحو وطريقة البحث فيه، وطبيعة منهجهم في البحث. - يكمن في كثرة التفصيلات في مسائله وأحكامه وحواشيه.      وبما أن النحو واللسانيات يبحثان نفس الموضوع إلا أن هناك اختلافاً في المنهج والهدف، ويمكن أن ألخّصه في الآتي: - تأثر النحو التقليدي بالمنطق والفلسفة، ويظهر هذا التأثر في انشغال جمهور النحاة في نظرية العامل، التي من خلالها يمكن استنباط العلة الكامنة وراء الظواهر النحوية، فجعل اللغة عقلا يفسر القواعد النحوية من خلاله، في حين أن النحو الوصفي في إطار علم اللسانيات الحديث يهتم بتقرير الحقائق اللسانية، ويفسرها في إطار الظواهر اللسانية ذاتها من دون فرض القواعد، أو اللجوء إلى ظواهر غير لسانية لتعليل القاعدة.     فالمنهج الوصفي ينطلق من واقع المادة اللسانية التي بين يديه، ولا يسجل أحكاما مسبقة، ولا يتأثر بأحكام غربية عن الظاهرة اللسانية، ويستخدم في ذلك نظريات البحث الحديثة بغية الكشف عن حقائق النظام اللساني بكل مستوياته. - افتقار النحو التقليدي للمنهج العلمي الموضوعي الذي يعتمد دراسة الأشكال اللسانية باعتبارها أنماطا يسهل وصفها ورصدها من خلال قوانين العلاقات، كما هو الحال في اللسانيات الحديثة. - تداخل مستويات التحليل اللساني في النحو التقليدي بين صوتية وصرفية ونحوية ودلالية، في حين يميز النحو الوصفي بين مستويات التحليل اللساني، ويجعل لكل مستوى اسماً يميزه عن غيره، مع عدم إهمال الصلة التي تربط بين هذه المستويات. - قيام النحو التقليدي على أساس معياري، فلم يميز بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، وأقام قواعده على نصوص منتقاة من اللغة المكتوبة، أما اللسانيات فاتجهت إلى الدراسة الوصفية لعناصر الجملة التي تعتمد على المشافهة.