رُقية
تضطرب أمواج البحر وتتلاطم، وأراني في أعماقه أغرق. ثم يأتي شيء يرفعني ليرمي بي فوق الصخور فأنجو، لا أدري كيف؟! يحملني الطير إلى جبل فيلقيني إلى القاع؛ أُلملم بعضي بلا جرح ولا كسر ثم أغادر. قال أبي: أضغاث أحلام. حين نجوت من الحمى ولم تهلكي، انبعثت كالعنقاء من رماد كئيب. أبي لا يؤمن بالخرافات، لكنه أراد أن يقول لي: لا شيء يصيبنا، ما دامت أنفاسنا تصعد بالدعاء إلى الله ونحن نصر على الحياة. أتذكر حين كانت الأوهام تنخرني والرجفان يهزني، أن الرماد لم يكن سبب انبعاثي، لكن، صوته وذِكره وصَلاته، وفوق ذلك كله رحمة الله. فمن لي إلا الله، وبعد الله من لي يا أبت إلا أنت؟! من يرقيني من عين، من شر، من ظلم...أرْداني في ضر لا أدري كيف دواه؟ من غيرك؟ .. بالذكر الخالد يا أبت إرق القلب المكلوم، بالأحد والناس والفلق... وارفع بالصوت العالي هذا الألم المشؤوم. يؤنسني قولك، فأراني كالطير أطير وأحوم حول صفاء من نور الجنة. أخجل من نفسي كيف أُحزِن قلبك؟! فيرتد الحزن إلى قلبي ضعفين. أطفئ يا أبت هذه النار، والعن شيطانا يجثم كالحجر على أنفاسي.. أطفئها كعادتك، بصلاتك فجرا ودعاء الليل. تسّاقط من يدك على هذا الرأس الملتهب برَدٌ. ما ألطفه! يأخذ مني عطشي؟! لا كأس ولا ماء حولي، لكن بصدق دعائك يا أبت ارتوى القلب وانتعشت أوردتي. إني أسمعك تناجي ثم تنادي يا الله يا ربي يا مولاي... من سواك يحمل عني آهاتي؟ وفي جوف الليل يرفعها إلى الله ومع تباشير الصبح تعود إلي بالبشرى والبسمات؟ نحيط صوتك يفيض له دمعي سيالا، أوّاه، من يوقف هذا النبع؟ صخر من يسمعك ولا يبكي.. أموات من لا يوقظهم صوتك.. أما الأحياء فبذكر الله تذوب. كررها يا أبت وِترًا، فالقلب بها وبيدك حين تمسح على رأسي يطيب.