جناية الأساطير!.

لم تكن أساطيرنا الشعبية كمعضاد والسعلي وأم حافر، تلك التي تلقيناها في طفولتنا، مجرد حكايات لتنمية ملكة التخيل، فقد كنا نعدّها لمستقبل حافل بالغرائب والمفارقات، ومع أنها أثْرَتْ المخيّلة لدينا إلا أنها من جانب آخر ، وهذا ما اكتشفته بعد عدد من الأسفار السياحية، كانت سببا في إحجام جيلنا وعدم إقدامه على ألعاب العصر الحديث، كركوب الزلاجة والمنطاد والطائرة الشراعية وبقية الألعاب الهوائية والمائية التي تتطلّب نوعا من الشجاعة والمغامرة، وهذا هو الفارق الجوهري بين جيل الألعاب الحديثة وجيل الأساطير الشعبية، إذ لم تسعفنا هذه الحكايات في صناعة جسارة لركوب المخاطر تعويلا على ما حقنتنا به في الصغر من لقاح الرعب المؤجّل. في حين يتمتع شبان الألفية الثانية، أولئك الذين لم يناموا على حكاياتنا الأولى، بقدرات خارقة تتيح لهم ركوب البحر على لوح أعزل، والتحليق بالطيران الشراعي وغير ذلك من ألعابهم الحديثة، رغم أنهم لم يلتقوا مثلنا بالسندباد البحري الذي كان من الممكن أن يصنع لنا الفارق لولا أن السعلي سبقه إلى عقلنا الباطن وأناخ طويلا في ذاكرتنا الموشومة بالحكايات والأساطير القديمة. تصنع الأسطورة أحيانا كوابح شعورية لا يظهر أثرها إلا بعد مسافة جيل كامل، حين يصير ظل كلّ شيء مثله، فتجد الفرق ظاهرا بين جيل غذي بلبان القصص والحكايات، وجيل آخر علّمته التقنية الحديثة وصنعت منه سوبرمان آلي يقتحم كل الصعاب الآلية التي لا يقوى عليها من تسكن في مخيّلته أشباح المنازل الخالية وعويل الرياح في المكان القفر.