فنان وكاتب أسس مجلة رائدة للطفل ويملك مشروعا روائيا يمتد لأكثر من 20 عاما:

يوسف المحيميد: حلم «أمي» أنهى تجاربي في الفن التشكيلي وحولني الى عالم الأدب.

روائي وقاص وصحافي أسس مجلة للأطفال وكاتب صاحب رؤية: يوسف المحيميد. بدأ الكتابة منذ مطلع الثمانينيات الميلادية. يمتلك مشروعا روائيا بارزا. وهو اليوم من أكثر الكتاب السعوديين الذين تم ترجمت أعمالهم للغات العالمية. لفت المحيميد الأنظار بمشروعه الروائي والذي يمتد لأكثر من عشرين عاما. وقد استكشف في أعماله الروائية مواضيع وتجارب مختلفة ومتنوعة التعقيد، من ثيمات الحب والموت والغربة والفقدان والعزلة، وإن بقيت لمسته الروائية الخاصة في كل ما كتب. وخلال مشواره الطويل والممتد، نال العديد من الجوائز المحلية والدولية، ومؤخرا ترشحت روايته الأخيرة «رجل تتعقبه الغربان»، وهي التاسعة في مشروعه الروائي، لقائمة الـ(9) للدورة الحالية لجائزة كتارا للرواية العربية. وحظي أدب المحيميد باهتمام الدارسين، حيث اتجهت أكثر من ست رسائل علمية في الماجستير والدكتوراة نحو دراسة قصصه ورواياته. في هذا الملف الصحفي الخاص، نقدّم للقارئ رحلة ممتعة داخل عوالم يوسف المحيميد الأدبية، من خلال حوار حصري يُسَلّط الضوء على تجربته الإبداعية وأبرز محطاتها. نتناول محاور مختلفة عن رؤيته الفنية، علاقته بالكتابة، وأفكاره حول التحولات التي شهدتها الساحة المحلية. كما نعرض شهاداتٍ من أدباء ونقاد وتلاميذ، ممن تناولوا تجربة المحيميد بإعجاب وتحليل، ليسلّطوا الضوء على الأبعاد المختلفة لشخصيته الإبداعية وتأثيره في الساحة الأدبية. السرد هو دليلي *يوصف يوسف المحيميد بأنه واحد من بين قلة من الكتاب السعوديين الذين جعلوا من الرواية مشروع عمل، وبالنظر الى تجربتك المتنوعة في الصحافة، التصوير، الكتابة للأطفال والفتيان، القصة القصيرة، والرواية، ما هي أبرز المحطات التي شكلت شخصيتك الأدبية، كيف تنظر الى هذه الرحلة الثقافية الحافلة بعد نحو أربعين عاما من انطلاقتها؟ -بالطبع كان السرد هو دليلي، خاصة القصة القصيرة، التي جاءت حلاً سحريًّا بعد تجارب في الفن التشكيلي، خاصة فن البورترية الذي كنتُ أتقنه جيدًا في رسم ملامح الأطفال الأقارب، لكن ذلك الأمر توقف بعد حلم أمي – يرحمها الله –وطلبها بالكف عن الرسم لأسباب تتعلق برسم ذوات الأرواح، وكأنما عليَّ أن أرسم هذه الذوات بالكلمات، هكذا غادرت رائحة الزيت غرفتي إلى الأبد، واستبدلتها مؤقتًا بالكاميرا، حيث كانت «أوليمبس» أو «ون»، وعدساتها وفلاترها، هي رفيقتي أينما ارتحلت، كان امتداد شارع التلفزيون نحو الغرب، ميدانًا لالتقاط السماء الحمراء بغيمها الخفيف لحظة الغروب، ثم اكتشفت أنني بحاجة إلى التقاط ما لا يراه أحد، فالأفق والطبيعة والجبال والرمال يراها الخلق، لماذا لا أصوب عدستي لما يلفتني لا ما يلفت الآخرون، إنها التفاصيل الصغيرة، تلك الجزيئات المهملة، نقش على جذع شجرة، حذاء مرمي منذ دهر، خيوط عنكبوت على أسلاك شائكة، هكذا آخيت عدسة «كلوز أب»، التي ساعدتني باصطياد تلك التفاصيل.  لكن نزقي وطاقتي إبداعية أكبر من مجرَّد عدسة، ما زال لديَّ شغف وأسئلة حول هذا العالم، لا يمكن أن تعبّر عنها الكاميرا لوحدها، من هنا جاءت رحلة الكتابة، خاصة أنني قارئ نهم منذ طفولتي المبكرة. من هنا أستطيع القول أن كل هذه المكونات الإبداعية المختلفة شكَّلت تجربتي، وربما لا يخفى عليك أثر الصورة الواضح على تصوير المشهد في نصي الأدبي، أما الكتابة للأطفال والفتيان فلها حكاية أخرى، دعمتها تجربتي الصحافية في مجلة «الجيل الجديد» مطلع التسعينات من القرن الماضي. تأسيس مجلة «الجيل الجديد» *ربما لا يعلم الكثير أنك أسست مجلة «الجيل الجديد» المختصة بالأطفال في تسعينات القرن الميلادي الماضي. ما الذي دفعك للتفكير في انشاء مجلة تعتني بصحافة الأطفال؟ ما هي أبرز التحديات التي واجهتها في تلك المرحلة؟ كيف تنظر الآن الى تلك التجربة بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما عليها؟ -لقد كانت التسعينات فترة مزدهرة في مجال ثقافة الطفل على المستوى العربي، فبالإضافة إلى المجلات السائدة والمعروفة، كمجلة ماجد، ومجلة باسم، ومجلة العربي الصغير، وغيرها... ظهرت في التسعينات مجلات جديدة أبرزها «علاء الدين» في القاهرة، وكنت وقتها محررًا للجيل الثقافي، وحاولت آنذاك لعدة مرات أن أقنع رئيس جمعية الثقافة والفنون، الأستاذ محمد الشدي، يرحمه الله، بإصدار مجلة للأطفال، لكنه كان متردِّدًا، وربما كان يظن أنها نزوة مثقف شاب سيصدر منها عدد أو عددين ثم يتوقف، فتحدثت مع الزميل الصحفي فتحي فرغلي الذي جاء معنا لفترة قصيرة للعمل الثقافي، واستطاع أن يقنعه، فانطلقتُ في تبويب المجلة واستقطاب الكتَّاب والرسامين وغيرهم، وللمفارقة المضحكة لم تكن المجلة الصغيرة مستقلة، بل توزع في منافذ البيع داخل المجلة الأم، مجلة الجيل، وحين يعود «الرجيع» كانت كميات كبيرة من المجلة تعود للمخزن بدون «الجيل الجديد»، حيث القراء الصغار يأخذونها من داخل المجلة، واسمح لي عبدالعزيز بهذه المناسبة أن أنوِّه بجهود من عمل معي آنذاك، من كتَّاب وصحفيين ورسامين، سعد سداوي، وعبدالرحمن نور الدين، وفهد اليحيا، وماجد التويجري الإعلامي الرياضي، وعماد المديفر الذي كان طفلاً آنذاك، وآخرون لا تحضرني أسماؤهم. الانتقال الى «اليمامة» *كيف كان الانتقال من صحافة الطفل الى الاشراف على الصفحات الثقافية في مجلة اليمامة، ما تقيمك لتلك المرحلة من حياتك المهنية ودورها في تكوين رؤيتك الأدبية والثقافية؟ -كنت مسؤولاً عن الجيل الثقافي بعد ابتعاد صديقي القاص والروائي فهد العتيق، الذي اقترح لمدير التحرير أن استلم الصفحات الثقافية، وهذا ما حدث، لكنني لم أشعر أن العمل الثقافي في مجلة شهرية أو حتى نصف شهرية، ومتخصصة بالرياضة، يصل كما في الصحف اليومية، فعملت لسنتين محررًا في صحيفة الرياض، واستلمت صفحة الأحد المخصصة لعروض الكتب، وهي صفحة مغرية لاهتماماتي في القراءة المنوعة، وكتابة عروض عن أهم الكتب الصادرة، لا شك أن هذا عزَّز القراءة كثيرًا، خاصة أن قراءة عمل جديد والكتابة عنه يسهم في ترسيخ محتوى وجماليات هذا الكتاب. أما القسم الثقافي بمجلة اليمامة فله حكاية أخرى، حينما استدعاني رئيس التحرير تركي السديري يرحمه الله، وأخبرني أن د. عبدالله الجحلان رئيس تحرير اليمامة طلبه مرارًا أن أتولى رئاسة القسم الثقافي بالمجلة، واشترط - رحمه الله - أن تبقى زاويتي «فضاء البصر» مستمرة في الرياض. تجربة اليمامة كان رائعة بكل المقاييس، لقد مُنحت فرصة أن أصنع رؤيتي الثقافية الخاصة، وقد جئت وفي ذاكرتي كل ذاك الجمال القديم في ثقافة اليمامة التي صنعها جيل الثمانينات، محمد جبر الحربي، وعبدالله الصيخان، وسعد الدوسري وغيرهم. وبالطبع لم تكن الظروف المحيطة مناسبة لاستكمال ما بدأه ذلك الجيل المدهش، فانفتحت المجلة على البعد الثقافي العربي، حيث الحساسية الجديدة تجاه الكتابة الإبداعية، ومنح قصيدة النثر ومبدعوها ما تستحق من اهتمام، خاصة في ظل تهميش «ثقافة الرياض» لهذا النوع من النصوص الإبداعية. الفن رافد أساسي للكتابة *قضيت فترة طويلة في التصوير الفوتوغرافي، وعلى مدى سنوات قدمت في جريدة الرياض تجربة جديدة في المجال الفوتوغرافي من خلال الزاوية الشهيرة «فضاء البصر»، وربما يخفى على الكثير أن أول جائزة نلتها في الطفولة كانت في مجال الرسم وليس الكتابة، ومن يزورك في منزلك يشاهد كيف يكاد يصبح متحفا للأعمال الفنية واللوحات التشكيلية، فهل يمكن أن نقول بأن الكاتب بداخلك أخذ مكان الفنان، أم أنك استطعت المزج بينهما في أعمالك الأدبية؟ وكيف انعكس اهتمامك بالفن البصري على اسلوبك الروائي؟ -يا الله يا عبدالعزيز، كم التقطتَ تفاصيل رحلتي الطويلة مع الإبداع، فعلاً كانت الجائزة الأولى من كوريا الجنوبية عن لوحة رسمتها وأنا في العاشرة تقريبًا، كانت عن يوم الأم، عبارة عن أم تحمل رضيعها، ولهذه الجائزة أثر كبير في مسيرتي، وشعوري أن تقدير الإبداع الحقيقي قد يأتي من مكان غير متوقع، واستمر الفن التشكيلي رافدًا لتجربتي في الكتابة، رسمًا واطلاعًا واقتناءً، وركضًا في دهاليز متاحف الفنون في العالم، من متحف البرتينا ومتحف ليوبولد في فيينا، وحتى متحف لاكما ومتحف جيتي في لوس أنجلوس، ومئات متاحف الفنون في العالم التي أقضي فيها أجمل لحظات السفر، وحين أتعب من التجوال في ردهات أي متحف، اتخذ مكانًا في مقهى المتحف وأقضي ساعات في الكتابة على جهازي المحمول، بمعنى أنني لا أفصل بينهما، هما حالة فنية إبداعية واحدة، الفن يشحذ طاقتي ويحفزّني للكتابة، وتربية الذائقة البصرية وتدريبها - في نظري – مكوِّن مهم للروائي والقاص والشاعر، لذلك أشعر أن الفنون تلهمني سواء في منزلي أو في أسفاري وتنقلاتي. الشغف بالقصة القصيرة *مع بداية العام الميلادي الجديد أصدرت طبعة جديدة من أعمالك القصصية بعد نحو خمسة عشر عاما من صدورها لأول مرة، ما دلالات عودة صوتك القصصي بعد هذه السنوات الطويلة من الانصراف للكتابة الروائية؟ -لا أخفيك، شغفي بالقصة القصيرة كبير جدًا، وأشعر أن لديَّ طاقة ورغبة ليس في كتابتها فحسب، وإنما في إيجاد مشروع ثقافي يعيدها إلى الواجهة، وينصفها مما تعانيه من تهميش، ولعل مجموعتي «تلك اليد المحتالة» التي صدرت قبل ثلاث سنوات، هو نوع من الامتنان والاعتذار لهذ الفن السردي، وشعور بأهمية الإفراج عن هذه القصص القصيرة جدًا، وبكل أمانة أنا ممتنٌ لهذا الفن السردي العظيم، أن قدَّمني للقارئ منذ الثمانينات، منذ مجموعتي الأولى «ظهيرة لا مشاة لها»، وحتى صدور أعمالي القصصية «الأشجار لم تعد تسمعني» التي صدرت مؤخرًا عن الهيئة العامة للكتاب في مصر، وذلك بإضافة المجموعة الجديدة «تلك اليد المحتالة»، وهي فرصة جيدة لتقديم هذه المجموعات القصصية للقارئ المصري، خاصة مع دعم كتب الهيئة المصرية للكتاب وتوفيرها بأسعار مناسبة. إعادة اكتشاف العالم *أتذكر أنك قلت ذات لقاء أن قفزة حدثت في تجربتك الإبداعية عند عودتك للكتابة بعد توقف عدة سنوات. ما الذي تغير في قناعاتك الفنية في مرحلة العودة الى الكتابة؟ ثم متى يجب على الكاتب أن يتوقف وهذا الكلام أريد أن توجهه للكتاب الجدد؟ -توقفت عن الكتابة أثناء رحلتي الدراسية إلى بريطانيا، خلال ٩٨ و٩٩ تقريبًا، ومطلع الألفية الجديدة، حتى زاويتي «فضاء البصر» أوقفتها، ودخلتُ عالمًا مختلفًا، كنتُ منشغلاً بلغة جديدة، ومتفرغًا للقراءة والاكتشاف، جرَّبت كتابة الهايكو بالإنجليزية، والتحقت بدورات تصوير فوتوغرافي، دخلت ما يُسمى بـ «الدارك روم» وتعلمت التحميض والطباعة للصور الفوتوغرافية التي التقطها، كنت منحت نفسي فرصة إعادة اكتشاف العالم من حولي، لن يتوقف العالم لو توقفت عن الكتابة بضعة أعوام، هكذا عدتُ في عام ٢٠٠٣ بطاقةٍ كبيرة، وكتبتُ عددًا من الروايات التي شكَّلت تجربتي الروائية فيما بعد. أعتقد أن على أي كاتب جاد أن يتمهل، يتأمل، يختبر الحياة، يتلمَّس العالم، ويكتشف الكائنات من حوله، يرهف حواسه جيدًا، ينصت للأصوات، أصوات الناس، الطبيعة، الضجيج، الصمت. من السهل أن ينتج الكاتب عشرات بل مئات الكتب، لكن من الصعب أن يتلف بضع صفحات. لذلك على الكاتب الجادّ أن يطعم سلة المهملات جيدًا. أحيانًا حين أشعر بالعجز عن الكتابة أمشي بلا هدى، فقط أمشي وأتأمل، وأركل الأفكار الملقاة على قارعة الطريق، أو أصنع منها شيئًا جديدًا ومختلفًا. وقد أهرب من المساحة البيضاء إلى القراءة. بلادنا لا تتوقف عن انتاج المبدعين *أنت واحد من بين قلة من الأدباء المحليين الذين كتبوا للأطفال والفتيان والكبار، ودائما ما نعثر على اسمك في أحاديث الشباب بوصفك داعما لهم سواء خلال عملك الصحافي أو في المؤسسات الثقافية التي عملت معها، ومن موقعك القريب منهم، كيف تصف الجيل الشاب من الكتاب المحليين؟ كيف يمكن لهم تجاوز التحديات وايجاد صوت مميز لهم في عالم الأدب؟ وبرأيك ما هي التجارب أو الأسماء الشابة التي تراها تستحق التقدير والاهتمام؟ -أعتقد أن بلادنا لا تتوقف عن إنتاج المبدعين في مختلف المجالات، نحن نعيش فيما يشبه القارة من حيث تعدد الثقافات وتنوعها، لذلك تجد مبدعين جادين في كتابة نصوص مميزة تنتمي لهم، فمثلا منصور العتيق يكتب نصوصه القصصية بحساسية فنية عالية. خالد الصامطي بشخصياته وحكاياتهم الخاصة التي لا تشبه أحدًا. عدي الحربش الذي تفنَّن في قراءة الحادثة التاريخية وأعاد كتابتها بطريقته الخاصة. عبدالواحد الأنصاري وما يمتلكه من عمق وبعد فلسفي، ورؤية تجاه الأشياء والكائنات من حوله. خالد الداموك باشتغاله على الحكاية في بُعدها الدرامي. ربما هناك آخرون أيضًا فات عليَّ ذكرهم، ما أردت قوله هو أن لدينا فعلاً جيل شاب لديه هذا التنوع الأسلوبي في السرد، وفي الاهتمامات، ومناطق الكتابة، لكن المأخذ على كثير من التجارب هو عدم جدِّية العمل على مشروع كتابة مستمرة ومتجدِّدة، وهو المأخذ أيضًا على جيلي من الكتَّاب والجيل الذي سبقني، فالكتابة ما لم تكن اشتغال يومي وحميم، ما لم تكن جزءًا أساسيًّا من حياة الكاتب اليومية، فهي لن تقبل أبدًا أن تكون في الظل، وتُستدعى عند الحاجة. لم يضع شيء في الترجمة *أنت أيضا من أكثر الكتاب السعوديين الذين ترجمت أعمالهم الى لغات أخرى. كيف تقيم تجربتك مع الترجمة بشكل عام، ما الذي أضافته اليك مثل هذه الترجمات؟ ما الذي ضاع في الترجمة من رواياتك وما الذي اكتسب ابعادا جديدة؟ -الترجمة نافذة مهمة للكاتب، ولها أثر مهم على تطور الكتابة لديه، بحكم المناقشات المستمرة مع مترجمين للغات مختلفة، والحوار مع محررين في دور النشر الأجنبية، وملاحظاتهم غالبًا تكون ذات قيمة فنية وجمالية، فضلاً عن كسب أعداد جديدة من القراء الأجانب، والحوار معهم سواء من خلال الرسائل البريدية، أو أثناء مناسبات التوقيع على الروايات في المعارض والمهرجانات العالمية. هؤلاء يقرأون بحب وشغف، وتتولد لديهم أسئلة متنوعة ومباغتة أحيانًا حول الشخصيات أو المواقف أو الواقع الاجتماعي العربي. لا أعتقد أنه ضاع شيئًا في الترجمة، فكل لغة لها أساليبها وحلولها وابتكاراتها، وبالطبع ذائقة قراء لغة ما تختلف عن ذائقة القراء العرب، لهذا يجد القارئ مثلاً أن بعض أعمالي المترجمة إلى لغات أخرى تتغيَّر عناوينها، وذلك لتباين المعنى والمفهوم والذائقة. هذه هي أجمل الجوائز *لديك تجربة جميلة مع الجوائز الأدبية. لقد فازت أعمال لك بجائزة أبو القاسم الشابي، وجائزة ألزياتور، وجائزة وزارة الثقافة والاعلام، وترشحت مؤخرا للقائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية، وأيضا جمعية الأدب رشحتك لنيل جائزة فنلنديا، الجائزة الأدبية الأكثر شهرة في فنلندا، كيف تصف هذه التجربة بتحدياتها وانتصاراتها؟ هل يمكن القول أن الجوائز الأدبية ما زالت تعكس الجودة الفنية للأعمال؟ -في اعتقادي أن أجمل الجوائز هي التي تُمنح لك، تقديرًا لاشتغالك وإبداعك، دون أن تسعى لذلك، أو تبذل جهدًا ما عدا الجهد الكبير على نصّك الأدبي، تلك الجائزة التي تفتح بريدك الإلكتروني فتجد رسالة من ناشرك تفيد أن روايتك في القائمة القصيرة لجائزة ما. أعتقد أن هذه هي أجمل المفاجآت التي تصنع حياة الكاتب. لم أكتب رواية قط وأنا أنتظر منها جائزة أو ترجمة أو أعلى المبيعات، أكتب ما يجعلني أهمس لنفسي: يا الله، ما أجمل هذه الصورة، الله يا له من مشهد! هذه لحظاتي الصغيرة التي تجعلني مطمئنًا حول ما أكتب، وهي بالضرورة ما تقود إلى نتائج جميلة، كتقدير القراء، والجوائز، والترجمات، وما إلى ذلك. لا طبعًا، ليس بالضرورة أن العمل الذي ينال جائزة عملاً جيدًا، فهناك أعمال روائية متواضعة فنيًّا نالت جوائز، خاصة في العالم العربي، فكما تعرف هناك جوائز يتصارع حولها ناشرون، ويتهافت حولها محكمون، ولها اشتراطاتها، وقد تضيع أعمال روائية ذات قيمة فنية عالية، لذلك على الكاتب الحقيقي، من يمتلك مشروعًا أدبيًّا طويلاً، ألا يشعر بالخيبة أبدًا حين تغفله الجوائز، بل عليه الشعور بالخيبة والقلق حينما لا تتطور أدواته الفنية في الكتابة. أريد عمرا آخر لأكتب كما يجب *بعد هذه الرحلة الطويلة، ما الذي ذهب وما الذي بقي، وما الذي تأمل تحقيقه ككاتب ضمن الحراك الثقافي المتنامي في المملكة حاليا؟ -قد لا تصدِّق يا عبدالعزيز، وليس تواضعًا أبدًا، إن قلت لك أن ما ذهب هو البدايات، وأنني بحاجة إلى عمر آخر لأكتب كما يجب، لأكتب ما حلمت به. على سبيل المثال، تمنيت أنني حينما علَّقت الجرس وكتبت رواية «رحلة الفتى النجدي» للفتيان، أن أكملت هذا الطريق بروايات أخرى في هذا المجال، تمنيت لو أملك وقتًا أطول، لأكتب عشرات وربما مئات القصص للأطفال، تمنيت أيضًا أنني أخلصت للقصة القصيرة أكثر، وجدَّدت في هذا الفن الأنيق، تمنيت لو أتيحت لي الفرصة للعمل الثقافي المؤسسي، لأقدِّم أفكارًا جديدة. كل ما أتمناه أن أكون في مستوى المسؤولية ككاتب، وأن يسعفني الوقت لأسهم في هذا الحراك الثقافي المؤسسي الذي أشرك القطاع الخاص بشكل لافت، وهذا ما كنا نفتقده منذ عقود، فهذه المبادرات المتتالية التي تشرف عليها هيئة الأدب والنشر والترجمة، ضمن منظومة الثقافة في المملكة، هي ما يصنع هذا الحراك الذي لا يتوقف، من مبادرة الشريك الأدبي، وملتقيات العزلة، ومبادرة الترجمة وبرنامج معرض الكتاب، وغيرها. كذلك توفير فرص إنشاء جمعيات مهنية غير ربحية في القطاع الثقافي. ربما قطاع النشر الحكومي هو الذي لم تتضح صورته بعد، رغم ظهور العديد من دور النشر السعودية المهمة كقطاع خاص، وأيضًا قد نحتاج أن نؤكد للعالم مكانة المملكة الثقافية في إطلاق مهرجانات أدبية عالمية، في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، خاصة بعد توقف المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي استمر لعقود مضت.