السعودية الجديدة:

رواية وطن يكتبها محمد بن سلمان.

في كل أمة لحظة انعطاف كبرى تعيد تعريف ذاتها. بالنسبة للملكة العربية لسعودية تلك اللحظة لم تكن مجرد انتقال ظرفي ولا خطابة سياسية بل مشروعاً وطنياً ممتداً أعاد كتابة السردية الوطنية بلغة المستقبل. ما يحدث اليوم ليس مجرد إصلاح اقتصادي أو تحديث إداري أو تحرك دبلوماسي بل انتقال تاريخي يوازي ما قامت به أمم كبرى حين قررت أن تتحول من دولة إلى قوة مرجعية في محيطها وفي العالم. وهنا تتبلور رواية السعودية الحديثة بوصفها تجربة استثنائية وبوصلة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي اختار أن يجعل من السياسة والاقتصاد والمجتمع خيوطاً لنسيج واحد لا يتجزأ. ومن هنا يصبح الاحتفاء (باليوم الوطني ) ليس مجرد ذكرى بل نافذة لمراجعة رحلة الرؤية 2030 حيث يتقاطع التاريخ مع المستقبل وحيث تتحول المناسبة الوطنية إلى لحظة قراءة عميقة لما تحقق وما يتشكل وما يُراد له أن يكون. ولأن كل أمة عظيمة لا تُبنى على لحظة واحدة فإن ما نعيشه اليوم ليس انقطاعًا عن الأمس بل امتداد له. كان فيها الملك سلمان بن عبد العزيز هو السارد الكبير لتاريخ هذا الوطن حيث حافظ على إرث المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله وأعطاه لُغته المعاصرة وفي حضوره ينكشف أن الماضي يفتح بابه للمستقبل وأن الجذور التي غرستها يد المؤسس ما زالت تسقي مشروع الدولة وهي تدخل زمن التحول. الملك سلمان بن عبد العزيز لم يكن مجرد ملك يعبر ببلاده مرحلة عابرة بل كان القلب الذي واصل قوته وصموده بين أصالة التأسيس وطموح الرؤية. لذلك فإن الرؤية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تولد في فراغ بل قامت على أرضية متينة صاغها الملك سلمان ومن قبله الملوك العظماء الذين جعلوا من السعودية مشروعاً حضارياً لا يتوقف بل يُكمل نفسه جيلاً بعد جيل. منذ تأسيس المملكة العربية السعودية ظل الاستقرار والشرعية السياسية قائمين على تحالف الدولة مع الدين والمجتمع والاقتصاد الريعي ولكن في العقد الأخير تحوّل هذا الثالوث بفعل رؤية 2030 من حالة دفاعية إلى حالة وثابه. إذ لم يعد السؤال كيف نحافظ على الموجود بل كيف نعيد إنتاج الممكن. هنا تكمن قوة الرؤية والرواية الحديثة فهي لا تكتفي بالبقاء بل تهدف إلى إعادة تعريف معنى الوطن نفسه ككيان منتج ومبادر ومؤثر في محيطه المحلي والدولي. هذه السردية كسرت نمطية الحاضر ولم يعد النفط هو العمود الأوحد ولم تعد الجغرافيا وحدها ضمانة الحضور أصبحت السعودية مشروعاً متحركاً قادراً على إنتاج المعرفة واستقطاب التكنولوجيا وصياغة القوة الناعمة عبر الثقافة والدبلوماسية والفن والرياضة. إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم يقدّم رؤية كوثيقة تنظيرية بل كأداة هندسية يعاد بها تصميم الوطن. جوهر هذه المقاربة أن السياسة لا تُفصل عن الاقتصاد ولا يُفصلان عن المجتمع. القرارات الدبلوماسية التي ارتبطت بجذب الاستثمارات والقرارات الاقتصادية كلها أعادت صياغة نمط الحياة الاجتماعية بينما على الجانب الآخر المنجزات الثقافية والرياضية والفنية كما هي اليوم ليست ترفاً بل قوة ناعمة تعزز قيم الرؤية ورواية الوطن العظيم. نحن عملياً نعيش المشاريع التي تنتمي إلى الغد أكثر مما تنتمي إلى اليوم. نيوم ليست مدينة جديدة بل منصة تفكير مغايرة. ومشاريع السياحة ليست تطويراً تقليدياً بل رهان على اقتصاد ما بعد النفط. والانفتاح الثقافي ليس مجرد تحديث اجتماعي بل سياسة خارجية مقنّعة لأن القوة الناعمة هي أقصر الطرق لفرض الحضور في المشهد الدولي. في رواية السعودية ما يحدث داخلياً انعكس خارجيا ففي سنوات قليلة أعادت السعودية تغير مواقعها عالميا ً على كافة المستويات وصولا إلى صانع قرار دولي. الحوار مع القوى الكبرى لم يعد يقوم على موقع جغرافي أو ثروة طبيعية بل على معادلة جديدة. نحن دولة تصنع المستقبل وتشارك في إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي. ملفات مثل إيران أو الحرب في أوكرانيا أو الانفتاح على الصين وروسيا وباكستان وحتى المشاركة في صياغة سياسات الطاقة المتجددة كلها ليست أوراقاً متفرقة بل خيوط في نسيج الرواية الكبرى. السعودية هنا لا تحاكي الآخرين بل تضع بصمة مغايرة. قوة قادرة على المصالحة والتوسط وعلى المواجهة متى لزم وعلى التوازن حين يختلّ المشهد الدولي. إن الرواية السعودية الحديثة لا يمكن أن تكتمل دون جمهور يستوعبها. هنا يظهر التحول الداخلي تمكين المرأة والشباب وقيادة المؤسسات والفضاء العام وقد أصبح مساحة للتميز الثقافي والفني. الترفيه والرياضة لم يعد ترفاً بل أصبح جزءاً من هوية جديدة تقول السعودية ليست مغلقة بل مركز يتقاطع فيه المحلي بالعالمي. هذا التحول الاجتماعي ليس بلا تحديات. هناك مقاومات داخلية وهناك محاذير تتعلق بمدى قدرة البنية التقليدية على التكيف. لكن الجديد أن القيادة الذكية جعلت من الشعب رواة مبدعين في كتابة قصة نجاح رواية السعودية الجديدة. اقتصاد السعودية كذلك لم يعد يختزل في النفط للمرة الأولى أصبحت الأنشطة غير النفطية تتجاوز نصف الناتج المحلي. هذا ليس رقماً محاسبيّاً فقط بل إعلاناً عن ميلاد اقتصاد متنوع قادر على البقاء بعد نهاية عصر الطاقة التقليدية. الصناديق الاستثمارية الاستحواذات العالمية تطوير الصناعات المحلية المشاريع السياحية الكبرى كلها ليست مبادرات منعزلة بل حلقات في سلسلة رواية طويلة أسمها (وطن السعودية والسعوديين) فالغاية هي وطن قادر على أن يخوض المستقبل لا أن يبيع موارده فقط. كما أن السعودية الحديثة لا تكتب لنفسها فقط بل للعالم. الرسالة واضحة نحن لم نعد دولة تبحث عن حماية بل دولة تعرض شراكة في صناعة المستقبل.. بنية تحتية تتغير بسرعة ومشروعات عملاقة قيد التنفيذ وانفتاح متسارع على التقنية والثقافة. لذلك يصبح الاحتفال باليوم الوطني أو ذكرى تأسيس الدولة تظاهرة سياسية بقدر ما هي ذكرى تاريخية. في النهاية رواية السعودية الحديثة ليست مجرد قصة نجاح اقتصادي أو إنجاز دبلوماسي. هي إعادة تعريف لمعنى الوطنية ذاته. الوطنية لم تعد مجرد ولاء تقليدي للدولة بل مشاركة في مشروع حضاري مفتوح. كل فرد في السعودية اليوم أمام سؤال كيف أكون جزءاً من هذه الرواية. هذا السؤال هو جوهر عبقرية الرؤية. لأنها ليست خطة مركزية من فوق بل مشروع يطلب من كل مواطن أن يعيد تعريف نفسه كعامل منتج كمثقف مشارك كرائد أعمال كواجهة حضارية. السعودية اليوم تقف على عتبة تاريخ جديد. مشروعها لم يعد مجرد إدارة موارد أو حماية حدود بل صناعة رواية وطنية تمتد من الداخل إلى الخارج. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليس مجرد قائد سياسي بل مهندس سردية جديدة جعلت من الوطن فكرة متجددة. رواية السعودية الحديثة ليست رواية تُقرأ بل تُعاش. وهي دعوة لكل مواطن أن يكون جزءاً من هذه السيرة المفتوحة التي تكتب اليوم في الحاضر لكنها تهدف لأن تُقرأ في المستقبل كتجربة أمة اختارت أن تتحول لا أن تبقى.