د. عبدالعزيز الطلحي وداعاً..

العالم المتواضع والمثقف العميق.

لم تكن وفاة الدكتور عبد العزيز الطلحي باليسيرة على أسرته ومن صاحبه وصادقه وجالسه وعرفه، فبشهادتهم ضم إليه الخُلق والعلم والثقافة والأدب بشقيه السلوكي والإبداعي، توّجها بالبلاغة والمعرفة العميقة باللغة العربية وما يتعلق بها من لهجات، فكان المثري لأي مجلس، وقِبلة المساعدة لمن يحتاجها، ومنجم النصح للجميع، وغدت وفاته الخسارة القاسية التي لا تعوض، ومرارة الفقد الأليم، ليكون بحق الذكرى الخالدة، والحنين الأبدي. ولد الفقيد الطلحي بمنطقة الطائف وتحديدًا في الشفا عام 1381/1961، وتلقى تعليمه العام في مدارس الطائف حتى حصل على الثانوية العامة من دار التوحيد عام 1898 والتحق بكلية الشريعة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة 1399 بقسم اللغة العربية الذي أصبح كلية حين استقل شطر جامعة الملك عبد العزيز بمكة جامعة مستقلة وهي جامعة أم القرى حاليًا. تخرج عام 1401 وعين معيدًا بمعهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأكمل دراسته في كلية اللغة العربية التي أنهى فيها درجة ماجستير بتقدير ممتاز عن رسالته “طلب الخفة في الاستعمال العربي” عام 1410، كما حاز على درجة الدكتوراه من الكلية نفسها عن رسالته ‘دلالة السياق” بالامتياز، مع توصية بطباعتها عام 1419، جُل تدرسه كان في معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. للفقيد نتاج علمي تمثل في رسالته “دلالة السياق” منشورة ومتداولة من عام 1424 وبحث عنوانه “مكة المكرمة السمات والقسمات قراءة في عبقرية المكان” وذلك ضمن أعمال الاحتفال بمكة عاصمة الثقافة الإسلامية 1426. كانت له تجربته في كتابة القصة القصيرة منها مجموعتين هي “عودك رنان” و”رقصة الدرج” وهي قصص تحكي جزءاً من ذاكرة قرى الطائف ومكة، إضافة إلى عضويته في مجلس إدارة مكة الادبي ومؤتمرات ولجان أدبية عدة إلى أن غيّبه الموت يوم السبت 30 يناير عام 2023. القاص والمؤرخ خالد اليوسف: الطلحي لمن لا يعرفه هو عبد العزيز الطلحي من أبناء مرتفعات الشفا التي هي من أجمل قمم مدينة الطائف المأنوس، وهو أديب مطبوع وشاعر وقاص وكاتب متميز وناقد متفرد واستاذ جامعي فذ متخصص باللغة العربية وآدابها، ومن المخلصين الذين عملوا بوفاء في جامعة أم القري بمعهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها حتى بلغ درجة الخبير في هذا المجال. فنان ذو حس مرهف، وكثير ما كتب وصوّر الطبيعة الخلابة في مسقط رأسه الشفا، وله في هذا كتابات كثيرة شعرية ونثرية وصور فوتوغرافية عرّف بها بكل شبر وشجرة ومنحدر وواد ومسيل وطرق متعرجة في جبالها. نشر في نادي القصة السعودي بعض قصصه القصيرة وهي خمس قصص فقط، وفرضت وجودها كتابات مميزة تجلت فيها براعته فنًا وقصًا وتمكنًا من أدوات القصة القصيرة، خلاف كتاباته الأخرى من رأي وتعليق وقراءة لبعض القصص القصيرة. أبدع رحمه الله في حضوره وتعليقاته ومشاركته اليومية في ملتقي القصة القصيرة الذي عقد قبل سنتين إذ كان يشارك بالحوار وفتح الآفاق أمام الضيف والمتابعين. حين اهاتفه كثيرًا ما كان يذكرني بسنوات صيف الطائف فترة الثمانينات الميلادية التي كنا نلتقي فيها مع عدد من الأحبة والأخوة منهم الدكتور عالي القرشي غفر الله له ورحمه ومحمد الثبيتي رحمة الله عليه والشاعر عثمان الصيني والأستاذ عبد العزيز الصقعبي والأستاذ خالد المحاميد رحمة الله عليه، وعدد ممن يأتي عند نهاية الأسبوع إلى الطائف، فغفر الله لأخي عبدا لعزير الطلحي ورحمه وجمعنا به في جنات النعيم. القاص علي المالكي: الهاديْ المتمكن الملهم عندما يأتي الحديث عن شخصية الصديق الراحل عبدالعزيز الطلحي لا تدري من أين تبدأ الحديث ، من شخصية عبدالعزيز الإنسان النموذج الأكاديمي المتواضع، أم من الطلحي الناقد واللغوي الذي يؤذيه اللحن في اللغة، ويرى أن كل إنسان يملك خيال باستطاعته أن يكتب ولكن لا يمكن أن يبدع، فاللغة بالنسبة للطلحي هي مترادفات والمبدع من يجيد توظيف المفردة في نصه، أما عنه ككاتب فيدهشك أنه قاص لا يبحث في أدبه عن الأضواء، وقد حدثني رحمه الله أن لديه مجموعات قصصية ولكن لم يفصح عن أسباب عدم نشرها بالرغم أنه نشر بعض من قصصه إما على صفحاته في السوشال ميديا أو نشرها في نادي القصة وكان آخرها قصته ( الشك ) التي نشرت مؤخرًا في كتاب مئة قصة قصيرة من السعودية الصادر عن نادي الحدود الشمالية الأدبي عبدالعزيز الطلحي عرفته في (الفيس بوك) والتقيته على أرض الواقع شخص قد يختلف معك لكنه لا يمكن أن يستفزه اختلاف يوصله لخلاف مع أحد، فشخصيته هادئة لا يدخل في شللية الثقافة ولا ينتمي لتوجهات أدبية فهو متذوق وقارئ دقيق ، والأكثر دهشة أنني في لقاءات كثيرة طلب مني الحديث بلهجتي العامية الجنوبية لأجده ورغم تركيزه في الفكرة إلا أنه أحصى الكثير مما قلت ورد بعضه لجذور لغوية أخبرني بفصاحتها، في آخر تواصلنا وقبل مرضه كان يعمل على كتابة رواية تدور أحداثها بين الطائف ومكة حملت فكرتها شخصيات وأماكن توقف فيها لسبب أن شخصية في الرواية كلما حاول أن يكتبها وجد لها شبيه في الواقع، وبدوره كان ينأى عن هذا حتى داهمه المرض، وأخبرني لاحقًا أنه توقف عن العمل فيها، وكم تمنيت لو أمهله التعب ليستطيع إكمالها أو يستجيب للكثير من الأصدقاء الذين اقترحوا عليه سيرة ذاتية . الحديث عن عبد العزيز لا تكفيه سطور أو صفحات حتى أتحدث عن العالم بتاريخ الطائف، أو الباحث في اللغة أو الناقد في الأدب أو الكاتب في القصة، أو الصديق الذي يدهشك تواضعه ويطيب لك حواره، لا يخوض في جانب إلا ولديه ثقة بأنه يعي ما يقول ومتوسع فيه حد الرضى، وإن اقتنص فكرة وناقش فيها لا يتعصب لرأيه ولا يتردد في قول (لا أعرف) ولكنه لا يستسلم لجهله بها، بل يبحث ويسأل ليعي ما قيل ويكوِّن موقفه بناء على براهين لا ميول. شخصية الطلحي رحمه الله ملهمة للكثير ممن اقتربوا منه، فعلى الصعيد الشخصي تمنيت لو أمتلك هدوءه في الحوار، أو قدرته وسرعة بديهته في إيراد الشواهد، أو قوة حفظه وسعة اطلاعه خاصة في الجانب التاريخي أو اللغوي بالرغم أنه تقاعد وغادر العمل الأكاديمي. عبد العزيز لا تحول الغيرة بينه وبين الشخصيات الثقافية، فيعطي رأيه بعيدًا عن المواقف والعاطفة، وهذا قلما تجده في إنسان هذا الزمن، ثقته بعلمه محط غرور لشخص آخر إلا أنها لم تسحب الطلحي لمنطقة التعالي على الآخرين، ولهذا لا أظن من عرف عبد العزيز لم يفجع برحيله. رحمه الله رحمة واسعة وأعان محبيه على فراقه. الدكتورة مشاعل العتيبي: مبعث الثقة والثقافة واللغة لم يكن الدكتور عبد العزيز الطلحي زميلاً لنا بالنادي الأدبي فقط، بل موجهًا واستاذاً يصنع في نفس مرافقيه والعاملين معه الثقة ويبعث في أقلامهم السمو والجمال، يقدح الفكرة، ويستثير المعنى ببلاغته وسعة علمه، مؤرخ مثقف ومفكر ولغوي عريق، يجلس بعيدًا عن الأضواء، حتى إذا تحدث كان هو الضوء ومصدره، متواضعٌ حليم، ولكرم تعامله سيظن كل من عرفه أنه من خاصته المقربين، فهو سمحٌ حفيٌ بالجميع، تتسع رحاب صدره للناس حلمًا وكرمًا، علمه الذي تجاوز الحدود الى أقطار الأرض في طلابه بمعهد اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأدبه الذي نقشه حباً لديار أهله وبلاد أمه وأبيه، كلها إرثه الباقي وذكراه العطرة، رحمه الله وجبر قلوب أهله ومحبيه. الدكتور علي العيدروس: علامة فارقة في التأويل حين قررت كتابة بحث في فاعلية السياق في تشكيل النص كان الدكتور عبدالعزيز الطلحي يطالعني بكتابه دلالة السياق، تغلغلت في كتابه وأدهشني في رؤيته للعلاقة بين النص والسياقات إذ لا يمكن فهم النص فهمًا دلاليًا دون إدراك سياقاته المتوضع فيها، شعرت أننا نقترب من بعض كثيرًا في أيدولوجية قراءة النصوص. بالنسبة لي الدكتور عبدالعزيز الطلحي علامة فارقة في التأويل، عرفته في نادي مكة الأدبي ومعهد اللغة العربية التابع لجامعة أم القرى، كان مكياً من الطائف وطائفيًا من مكة، تعلمت منه حب القراءة المغايرة، و أحببت فيه تواضعه، كان يحبني كثيرًا ويمنحني الثقة في نفسي . بعد أن غادرت المملكة للاستقرار في جامعتي بحضرموت أرسلت إليه ليحكم بحثًا لي في الترقية ابتسم في رده لي قائلًا: لا أؤمن بالترقيات، امض في الكتابة ولا تنتظر ترقية، وذات يوم في رمضان دعاني لزيارته في مكتبه في معهد اللغة العربية دون سابق ترتيب قضينا عدة ساعات طرح علي أسئلة معرفية كثيرة ولم يطلب مني جوابًا، ثم في أدب جم خفف عني كربة كنت أعانيها دون أن يشعرني بذلك، كان حقًا إنسانًا مختلفًا في كل شيئ ، علم معرفي غادر الحياة بهدوء لنكون أثرا له وهذا شرف لي ولمن كان كذلك، رحمة الله تغشاك أخي وصديقي وأستاذي الدكتورعبدالعزيز وأسكنك فسيح جناته. الشاعر محمد الطلحي: الموضوعي في حواره الدكتور عبد العزيز الطلحي الصديق الحميم والرجل العظيم والعالم الجليل، عاشق الحوار الهادئ والموضوعي في حواره، فمتى ما رأى الحوار اتجه للجدال التزم الصمت، وربما تشاغل وصمَّ أذنه عن ضوضاء المكان. هو عالم من علماء اللغة إن تكلم صمت له الجميع لغزارة علمه وقُوَّة بيانه، وكان محبًّا للشعر وناقداً يشار إليه بالبنان، حيث يخلق لك الجمال في كل شيء تقع عينه عليه حتى أنه يحيل الصخرة الجامدة إلى صورة جمالية بشكلها وتكوينها وكنهها ويبعث فيها الحياة، وكان رحمه الله لطيف المعشر سمح الوجه نديّ الكف، محبوباً من الجميع ليس له خصوم. بوفاة الدكتور عبد العزيز الطلحي خسرت الثقافة والأدب في الوطن العربي رمزاً من رموزها، وعالماً من علمائها أثرى ساحتها على مدى أكثر من أربعين عاماً، تاركاً لنا إرثاً من الحب والعلم والعطاء، غفر الله للدكتور عبد العزيز الطلحي وادخله فسيح جناته. المسرحي فهد ردة: أثير التفاصيل والحكايات الوفيرة رحمك الله يا عبدالعزيز يا صديقي الأثير، ورحم الله زمانًا جمعنا منذ قدومك من حي الشهداء حتى وصولك للسوق، حيث مكان دكان أبيك، وصولات وجولات لنا، بين كل ذكرى تفاصيل كثيرة وحكايات وفيرة. جاران كنا نزرع القصص في حواري سوق البلد حيث أنت والخضار والفواكه الزاهية بعناية والدك رحمه الله، والأن يتكدس الوجع داخلي كقبيلة من الغرباء تهاجم صخبي، يحل الصمت الثقيل والموت الجليل لا يعرف إلا الصمت. رحمك الله يا صديق الطرقات القديمة منذ الشهداء والسوق وسويقة ودار التوحيد وجامعة أم القرى وسكنك في مكة وعشقك للطائف وكل تلك الحكايات الصغيرة والتفاصيل الجميلة التي كانت تجمعنا دومًا حتى في مرضي ومرضك ما كنا بعيدين أبداً، فرحلت ولم تكن الأول ولن تكون الأخير فكلنا لطريق الرحيل مقبلون وكل شيء له وقت محدد وميقات معلوم. رحمك الله يا صديقي وغفر لك وأكرم نزلك ووسع مدخلك وأبدلك داراً خير من دارك وأهلاً خير من أهلك وجنات عرضها السموات والأرض. القاص عبد الله ساعد: روح نبيلة جميلة الدكتور عبد العزيز الطلحي كان نبيلًا في أخلاقه وصفاته وتعامله، جم الأدب حسُن الخلق غزير المعرفة، لم يقص أحد ولم يبخل على أحد بمساندة في علم أو عمل أو مشورة. كان حظي جميلًا ذات مساء عندما تعرفت عليه في محفله الذي يحب ومكانه الأثير نادي مكة الأدبي، وتحديدًا في ليلة الاحتفاء بالمؤرخ خالد اليوسف، فسألني عن نشاطي الأدبي ولم يكن قد صدر لي وقتها سوى مجموعة قصصية واحدة، وكعادته شجعني وحثني على المزيد، وحين أفصحت له “أن لدي مجموعة جاهزة للطبع لكن طباعتها تعثرت لدى أحد أندية الغربية” رحب على الفور ووعد بالمساعدة. وكان أن نسيت وتناسيت الأمر فقد خبرت وعودًا مشابهة لكنها لا تتعدى كونها وعودًا، فليس في سيرتي الأدبية الناشئة ما يُغري بالاستقطاب من طرف ناد عريق كنادي مكة الثقافي أو قامة أدبية كعبد العزيز الطلحي، واعتبرت الأمر مجرد مجاملة لي ولمن حولي في حينه، ولكنه -رحمه الله-فأجاني ذات مساء باتصال هاتفي وقال لي على الفور: أين مسودة المجموعة القصصية؟ ألجمتني المفاجأة ولم أحر جوابًا لبرهة ثم وعدت بإرسالها إليه وهذا ما حدث. اذكر هذا الموقف لأنه ينم عن وروح جميلة ونبل أخلاق وتواضع جم لدى صاحبه، وكان لي شرف المشاركة في منتدى (فضاءات السرد) الذي أقيم تحت مظلة النادي وفي مناسبات عديدة اقامها النادي برعاية استاذنا الكبير ورفيق دربه الدكتور حامد الربيعي وكان حريصًا على تناول نصوصي الأدبية كلما نشرتها في نادي القصة كغيري من أعضاء النادي، ولمست شغفه بالقصة القصيرة وبالنص القروي بوجه خاص، سبق وأن نشر بعضًا من نصوصه وكانت مميزة، وأسر لي ذات لقاء أن لديه مجموعة قصصية مكتملة، وتمنيت عليه نشرها، وأتمنى أن أراها ذات يوم يتصدرها اسمه الجميل الذي أحب. الشاعر سالم عقاب: الغياب والفقد الموجع لأبي عبد الله الغالي مميزات يصعب حصرها في عجالة أو سطور أو حتى صفحات، فحين علمنا بمرضه تكدرنا كدرًا لا يوصف، فغاب عنا أسابيع، وعاد لنا كعادته الفاضلة، رغم أنه لم يكن في أحسن حالاته، لكنه أشعرني بقوة العزيمة والصبر والرجاء بالله سبحانه. دكتور عبد العزيز الطلحي صاحب العلم المتواضع وصاحب الثقافة العميقة الرصينة وقبلها المبادئ والاخلاق الحميدة الثابتة، فحين يحضر نقاشاتنا نزداد ثقة ونستفيد في كل مرة جديداً يثرينا به، إضافة كان مكمن اختيارنا بالإجماع في ادارة الحوارات والنقاشات ومقابلة الضيوف من مثقفين وأصحاب تخصصات. يستمع لأحاديثنا المكرر بعض الأحيان باهتمام بالغ، وكأنه لم يسمعها من قبل ويعلق عليها كأنها جديدة دعمًا لكل متحدث مهما كان دون أن يُصيبه كلل أو ملل. أذكر حين زارنا الدكتور عثمان الصيني ضيفاً على الملتقى فرح بلقاء أبي عبد الله، وفي نهاية الجلسة طلب الدكتور عثمان منه ان يدوّن ثقافته ومعرفته فيما يخص الطائف ومكوناتها الطبيعية وثقافة اهلها وذكريات المرحلة، مع تدوين ما يتعلق بتخصصه في اللغة وتعليمها لغير الناطقين بها في جامعة ام القرى. ما ذُكر غيض من فيض الدكتور عبد العزيز الطلحي الذي كان يسرنا حضوره وأحزننا وأوجعنا فقده، فرحمه الله رحمة الأبرار، وجبر الله مصاب أهله وأحبابه. الدكتور عبد الله عبد العزيز الطلحي: الداعم والسند والمعطاء. المصاب جلل، ولكننا مؤمنون بقضاء الله وقدره، فكم كان والدي كريماً حنوناً عطوفاً حريصاً علينا، وكان داعماً لنا وسنداً نلجأ إليه في كل حين، كان معطاءً يحب الخير ويسعى فيه، ورأينا أثر ذلك في جموع المعزّين في وفاته رحمه الله، وهذا مما خفف علينا كعائلة أن نراه يُذكر بكلّ حسن، ونسمعَ عنهُ رحمه الله ما يؤكِّدُ ما رأينا فيه من عطاء ومحبة. كان صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله وابتلائه، وهو حيّ في قلوبنا وقلوب من أحبّوه مادامَ يُذكر بكل خير، ويُدعى له بالرحمة والمغفرة، فنسأل الله أن يُدخله الفردوس الأعلى من الجنة ويجعل ما أصابه تكفيراً لذنوبه وأن يصبّرنا على فراقه إنه سميعٌ مجيب. الدكتور محمد سعيد الثبيتي: أدب جم وروح مرحة. أخي وزميلي وصديقي الدكتور عبد العزيز الطلحي تربطني به زمالة منذ دار التوحيد المتوسطة ثم الثانوية ثم كلية اللغة العربية ثم معهد اللغة العربية، رجل لم نعرف منه خلال هذه الزمالة المديدة إلا كل خير وتقدير لزملائه ولأساتذته وطلابه، فأحبه زملاؤه، وعظّمه طلابه، وأشادوا جميعًا به ، حيث كان رحمه الله حسن الأخلاق واسع المعرفة، دقيق المعلومة إذا تحدث خلب القلوب بأسلوبه المميز وإذا جادل فبأدب جم وروح مرحة وابتسامة عريضة . وأذكر من المواقف اللطيفة أننا عملنا حلقة نقاش في معهدنا عن الدراسات الحديثة وعقب ما أنهى كلامه، قلت له: هذه يا دكتور عبد العزيز بضاعتنا ردت إلينا، فابتسم كعادته ورد؛ لكنها بثوب قشيب. كثير هي المواقف الجميلة والذكريات السعيدة التي جمعتنا بحكم زمالتنا، أسأل الله أن يتغمده برحمته ويرفعه إلى جنان الخلود. علي خضر الثبيتي: الفقيد المفقود أقولُ بحسب درجة الحب، تكونُ درجة الفقدِ تسيلُ المشاعرُ على السطور، وترتسمُ الوجوه على الكلمات، وتسير الأفكارُ على أرصفة الصفحات، وتتعانقُ الأحزان على موانئ المآقي؛ لا تصنع فيها، نابعةٌ من القلب، وغرستها سنون الوفاء، وروتها أيامُ الحبّ واللقاء. يقول الشاعرُ: دموعٌ يذوبُ الصخرُ منها فإن مضوا فقد نقشوا الأسماءَ في الحجرِ الصّلدِ. ويقول إيليا أبو ماضي: كل ما في الأرض من فلسفة لا يعزّي فاقداً عمّن فقد” عرفته منذ سنوات، أكاديمي عميق الثقافة هادئ الطبع لمّاح، وتوطدت العلاقة بيني وبينه في الأندية الأدبية، والمنتديات الخاصة، والزيارات المتبادلة. كنت أصغي إليها كثيراً، يجذبك بقدرته على تملّك زمام الكلمة، وادارة الفكرة، وكان مولعًا بالشاعر محمد الثبيتي، بلغته وبشعره لا نلتقي إلا وحدثني عما يقتنصه في قصائده من إبداع. الدكتور عبد العزيز الأكاديمي والاجتماعي، أينما تبحث عنه تجده في الشعر والسرد والتاريخ الاجتماعي للطائف، والزراعة والريف وحكاياته وشخوصه. لم يغب عن الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية، فقد أعطى وأثرى، ومنح كثيرًا من وقته للعطاء، وصاحب أدب جمٍ في علاقاته الاجتماعيه، لا تنفك عنه حتى تتعلم منه كيف يكون الاتصال والتواصل مع الآخرين. من الشواهد على العِرْف، وردوده العميقة الواعية أن كتبت بيتاً شعريًا “يا صاح وضع العنا ما جاز” فردّ:” المتقفي دائمًا أبين وأحكم وإن كان البدع رائعاً “ وحدث أن عرضت صورةً لأحد المباني في قريتنا فعلّق قائلاً “قارنته بمبنى أقدم موجود في بلاد قريش في الوهط يبدو غير مكتمل” وزاد “لون الحجر، دقة البناء، لكن في الصورة التي وضعتها الحجارة أكبر” فهذا هو الدكتور عبد العزيز (العارفة) كما نسميه، فرحم الله الدكتور عبدالعزيز. رحيل الفذوذ أما الشاعرة د. أنصاف علي بخاري فقد شاركت بقصيدة رثاء نختار منها : غادر الأمس ذي (البهية) بدْرٌ عاطرُ الذكر، هِمْةٌ شمّاءُ مثل (طَلْحِيّنا ) إذا يتوارى كم ستُغْضي مآثرٌ قَعْسَاءُ يجهش اللفظ والمدى والمعاني يعتلي (الضاد) في الحُداءِ رثاءُ كم سيبكيه محفلٌ ورياضٌ كم ستنعيه في الدُّنَى ورقاءُ كم سترثيه أنفسٌ وعقولٌ كم ستبكي جميله الأسماءُ كم ستهفو منابرٌ ودروبٌ كم سيشتاق حِبْرَه الإثراءُ ---- شاي الرضى عبدالعزيز الأزوري رأيتُ الورودَ -مساءَ الحَنينِ- تضيءُ غيابكَ وجهك منْ يعبقُ الآنَ في سهري والحديثُ الأنيقُ رأيتُ السلام براقاً براقاً يفيضُ برغوةِ صوتكَ في جنباتي وروحك من تركضُ الآنَ في طرقاتي رأيتُ سناكَ يُمسّجُ ظهرَ الفراغ الثقيل رأيتُكَ تصنعُ شايَ الرضى والقبول وتنسجُ لطفكَ فوق حراء انكساري وفوق أسايَ لكي أستريح إلى الموعد السرمديّ!