لمحات متجاورة.

حين أردت الكتابة عن ديوان الشاعر أحمد العلي (ليس للسابح أن يعلو على الماء) خشيت أن أوصف ب(التحيّز المعرفي) وهو(ميل عفوي لصالح فكرة أو شخص ما) ولكني طردت هذا الهاجس حين توغلت في قراءة الديوان؛ لأني رأيته لونا مغريا، ووجدت أن جذوره تمتد عميقا في التراث، بطريقة جديدة. وسأحدد ما أريد قوله في النقاط التالية: 1ــ العادة أن العنوان يضع بيد القارئ شمعة تضيء له ما سيلقاه في المعنون، ولكنك، هنا، لن تفهم العنوان قبل شوط طويل في قراءة المعنون. فالماء هو رمز الكون، كما تقول أسطورة(ن) عن بدء الخلق، والسابح هو المتأمل فيه. وهنا، تحديدا، ترى ظل محمد النفري، وظل أبي حيان التوحيدي معا، بل ترى أفقا صوفيا صاخبا تضطرب فيه روافد نفسية عديدة. 2ــ يختلف الديوان، أسلوبا لا رؤية، عن أسلوب النفري في (المواقف والمخاطبات) وعن أسلوب التوحيدي في (الإشارات الإلهية) فهناك تقرأ مقاطع من جمل عديدة، للتعبير عن مضمون روحي، كقول النفري: (وقال لي: إن لم ترني من وراء الضدين رؤية واحدة لم ترني) وقول التوحيدي: (يا هذا: إني أرى ما ترى، فهل ترى ما أرى، أم أنت من هذا الورى، تديم السرى، ولا تحمد صباح المسرى) أما الشاعر أحمد العلي فإنه يستخدم أسلوبا أطلقت عليه (اللمحات المتجاورة) لأن كل جملة صغيرة تشكل دلالة نفسية، مكتفية بذاتها، إن كل سطر صغير مستقل عما بعده، خذ مثلا: (لك المعرفة الأولى يا أحمد / من رأى / في كل شيء ثمة شيء / الناظر إلى الدهر / الناظر إلى المرآة) هنا تجد أفقا صوفيا: فالمعرفة الألى هي المعرفة الصوفية التي تسقط أمامها الحجب. ( هو من رأى) بهذه الجملة تبدأ ملحمة جلجامش، أي: من رأى من أسرار الوجود ما خفي على غيره. و(الناظر إلى الدهر) تعني الملم بتحولات الدنيا. أما الناظر إلى المرآة، فهو من عرف ذاته. والجمع بينهما يعني شمول الرؤية. 3ــ تقول الدكتورة وداد القاضي: (يبني أبو حيان خطابه على فقرات متناثرة، دونما نظام معين ضمن الرسالة الواحدة) وهذا ما نراه عند أحمد العلي مع فارق الطول عند التوحيدي والقصر عند أحمد. 4ــ النفري والتوحيدي لم ينادَيا بالاسم، أما أحمد، فيناديه الغامض الكوني بالاسم. كما يتضح في هذا الشطح(يا أهل الجبل / لسان أحمد على لساني) وهذا منتهى الغرور.