في كتاب «الردح يولوجي» للدكتور عبدالعزيز الصويغ..
تحليل لشخصية الرئيس «ترمب» الساخرة والطائشة.

مؤلف الكتاب الدكتور عبدالعزيز الصويغ سياسي بحكم الدراسة التي نال بها الدكتوراه، بحكم العمل في السلك الدبلوماسي، وكذلك عمله في منصب سياسي مرموق في وزارتي الإعلام والخارجية، حيث كان يعمل مباشرة مع الوزيرين سعود الفيصل ومحمد عبده يماني. وله إطلاع متعمق على السياسة في أمريكا بحكم عمله سفيرا في كندا وقنصلا في هيوستن. وغلاف الكتاب ينبئ عما فيه، إذ يحمل صورة ترامب بإصبعه الشهير الذي يقمع به الصحافيين، فيسمح لهم بالحديث أو يسكتهم وقد يهينهم، والكتاب مقسم إلى جزأين، الأول بعنوان “ نحن و ترمب والعالم “، والثاني يضم مقالاته التى نُشر أغلبها في جريدة المدينة عن السياسة الأمريكية، كل مقال يضم ١٢٠- ١٥٠ كلمة ومعظم المقالات له علاقة بالأحداث الأمريكية التي عاصرها، وقد نُشرت خلال عامين بدءا من نهاية شهر يناير عام ٢٠١٧ ، إبان ولاية ترمب الأولى، وكان يعد لجمعها في كتاب يصدر آنذاك ولكنه صرف نظرا، إلا أن عودة ترمب بقوة في الإنتخابات الأمريكية وفوزه بها نهاية عام ٢٠٢٤، أعادت اهتمامه بالمشروع، ورغم أن الكتاب قد صدر بعد مرور ستة أشهر على ولاية ترمب الثانية إلا أنه أثار استغرابي، فقد أنهى زمن المقالات إلى ما قبل حسم نتيجة الانتخابات. من يطالع المقالات سيجد أن همومنا ومشكلاتنا بقيت كما هي، وكأنما نعيد اختراع العجلة. يتمتع الكتاب بالتحليل العلمي السياسي الذي يبطن شيئا من الكوميديا السوداء! وهل أحق بالسخرية من هذا النظام الديمقراطي التي تنتهي اختيارات الناخبين فيه إلى أمثال ترمب وبايدن ومن قبلهما كيسنجر وبوش الثاني؟ عنوان الكتاب مكون من مفردتين مدمجتين الردح يولوجي، رَدَحَ فعل من ردح الشيء يعني بسطه، يقال : ردح رجل غريمه إذا صرعه، ورَدَحَ تعنى ثبت وتمكن ، وفي العامية المصرية الردح يعني “ علو الصوت وسلاطة اللسان، والكذب والإفتراء والتضليل، أي تجاوز كل ما هو متعارف عليه من آداب وصدق وقيم”، وعندما تردح إمرأة لجارتها أو لزوجها فإنها “تضرب بكفيها أو على صدرها وتتقصع في مشي كالرقص، فيما يتصاعد صوت سبابها ليصل للمارة والجيران، فيستيقظ النائم ويفيق صاحب الغفلة وينتبه السرحان، ثم يجتمع هؤلاء للفرجة”. وكمثال فقد صرح الرئيس بايدن “ بأن الولايات المتحدة تملك أقوى اقتصاد في العالم، وشكر نائبته كمالا هاريس على الأجندة الاقتصادية التي أدت إلى نمو الاقتصاد بنسبة 2.8٪ خلال ربع السنة الأخير” . هنا خرج ترمب ليُكَذب ما قيل ثم وصف كامالا هاريس بأنها “ نفايات حقيقية”، بدلا من أن يقارع الأرقام بالأرقام. وعلق لورنس أودونيل بأنه من الصعب ألا تصف شخصا يصف خصمه بأنه نفايات إلا أن يكون هو نفسه ممثلا لهذه الصفة. لم يصل الكاتب إلى هذا الحد في وصف الرئيس ترمب، لكن معلقين ٱخرين شاركوا لورنس وجهة نظره تلك، فها هو جيمس كومي المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI ) يقول : إن الرئيس ترمب غير لائق أخلاقيا ليكون رئيسا لأمريكا. و هو يشترك مع زعماء العصابات فى أنه يريد الولاء لشخص الزعيم دون مرجعيات خارجية، فالقادة الأخلاقيون لهم مرجعيات خارجية دينية أو فلسفية أو إنسانية، لكن مع زعماء مثل ترمب فإن الأمر كله يتمحور حول ذات الزعيم، ماذا يمكنكم أن تفعلوا لأجلي؟ كيف تخدموني؟ عندما يدخل في مناظرة سياسية فإنه لا يهتم بلب القضية، بل يدور حولها بكلمات تشوش على الخصم وتسفه رأيه، ويطلق كلمات تدني من مكانة من ينتظره، و” يمرمط به الأرض”، وهنا ينكسر الخصم وينزوي خجلا خوفا من عار الردح المسلط عليه. العديد من المحللين السياسيين ينظرون إلى بوش الابن على أنه أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا، لكن ترمب احتل مكانه عن جدارة، فالرجل القادم من خلفية رجال الأعمال، دون خبرة سياسية ودون إدراك لأبعاد المنصب، ثم أضاف إلى ذلك كثيرا من الفوضى، حتى انسحب معظم مساعديه، يعضون أصابع الندم على فترة العمل التي أضاعوها مع رجل “نرجسي” ، لم يمر عليهم أحد بمثل غروره في أروقة السياسة. إذن كيف وصف هنري كيسنجر ترمب “بالظاهرة”، وهي كلمة تصف عادة رجل علمٍ واسع المعرفة، وهي صفة يفتقدها ترمب، لكنها أصبحت تمثل الواقعية السياسية التي قامت عليها سياسة كيسنجر، فعلينا ألا ننسى أن كيسنجر كان وراء أحداث كئيبة مثل القصف “ السري” وحملة الإبادة الجماعية لكمبوديا في الفترة بين ١٩٦٩- ١٩٧٠, والإطاحة بحكومة سلفادور اليندي المنتخبة في تشيلي، ومن هنا فإن ترمب يمثل تعبيرا مختلفا عن جوهر السياسة الأمريكية. ولذا فإن كيسنجر وعلى نقيض سياسيين آخرين كان يرى أنه يجب إعطاء الفرصة لترمب لتنفيذ سياساته. معظم المؤشرات كانت تقول إن هيلاري كلينتون ستفوز على ترمب، كانت تشير إلى أن منافسها أعلن عن إعجابه بالطغاة مثل صدام حسين، وفلاديمير بوتن. خلال الحملة الانتخابية استفز ترمب أغلب الناخبين فقد هاجم الصحفيين والمسلمين والمكسيكيين والملونين والمهاجرين والهنود الحمر، وكانوا جميعا يتوجسون شرا من احتمالات فوزه، لكن السبب الرئيس لفوزه كان ما أعلنه مكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI” بشأن مرسوم عفو مثير للجدل أصدره بيل كلينتون زوج هيلاري في اليوم الأخير لولايته ، كما أعيد تحريك قضية بريد هيلاري الخاص قبل أسبوع واحد من الانتخابات. وهاجم ترمب كلينتون ونعتها مرة بأنها إمرأة كريهة وأخرى بأنها محتالة . ليس ترمب وحده منفلت اللسان، مثلا رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلاني خاطبت خصمها رئيس وزراء فرنسا إيمانويل ماكرون عام ٢٠١٨ قائلة “ غير المسؤولين يا إيمانويل ماكرون هم الذين قاموا بقصف ليبيا، لأنه يقلقهم أن تكون لإيطاليا علاقات خاصة في مجال الطاقة مع العقيد القذافي، فرنسا تواصل استغلال أفريقيا عبر طباعة العملات لنحو ١٤ بلدا، و تضع عليها ختمها، و تستغل الأطفال فتشغلهم في المناجم، أما في النيجر فتستخرج فرنسا ٣٠٪ من مخزون اليورانيوم الذي تستعمله في إدارة مفاعلاتها النووية بينما ٩٠٪ من سكان النيجر يعيشون دون كهرباء. وتواصل: لا تقدم لنا الدروس يا سيد ماكرون، لأن الأفارقة يهجرون قارتهم بسببكم وبسبب سياستكم، الحل ليس تهجير الأفارقة إلى أوروبا، ولكن تحرير أفريقيا من بعض الأوروبيين” ، “ لن نقبل الدروس منكم “ . يعلق الدكتور الصويغ أن هذا الردح يعتبره مقبولا مقارنة بردح ترمب. وفائدته أنه يظهر الوجه القبيح للغرب. ولكن السؤال لماذا ذهب كل الاهتمام لترمب دون غيره ، وصفت مجلة تايم الأمريكية رئاسته في الفترة الأولى على النحو التالي : كاذب، مغتصب (جنسي)، لص، مبتز، عميل. لا يوفر ترمب مناسبة إلا ويعمل على إثارة الصخب والجدل في المجتمع الأمريكي، في يوليو ٢٠١٩ كتب مجموعة تغريدات منتقدا أربع نائبات من الحزب الديمقراطي، وجميعهن من غير البيض واتهمهن بـ” كراهية أمريكا” وطالب بعودتهن إلى “الأماكن الفاشلة التي أتين منها”. كذلك يهاجم الصحافة ويتهمها بعداوة الشعب ويهددها بالانتقام. ويؤيد إطلاق النار على المتظاهرين ضد العنصرية. يستخدم ترمب منصة إكس في إطلاق تغريدات يومية مثيرة، تصبح موضوع الصحافة. وخلال الحملات الانتخابية الأخيرة اتهم إدارة بايدن بالفساد ، ووعد باستكمال بناء الجدار بين أمريكا والمكسيك لكي يمنع دخول المهاجرين. وتعهد بوضع حد لإنفاق حكومة بايدن على مكافحة تغير المناخ. يحظى ترمب بدعم أصحاب المصالح الإقتصادية الضخمة بسبب ما حققه ترمب لهم خلال فترة رئاسته الأولى، فقد قام بإجراء تعديلات على الضرائب لصالحهم ، كما أن كثيرا من القوانين الإدارية قد تم تعديلها بحيث تناسب أصحاب رؤوس الأموال، من أكبر داعميه إيلون ماسك، الذي سخر إمكانيات منصة اكس التي يملكها لصالح ترمب. وقد عارض ترمب وضع قيود على السلاح الشخصي رغم مخاطره، وأيد خلال ولايته التظاهرات العنصرية البيضاء ضد الملونين. قال ترمب: إن السياسة الأمريكية ستكون مملة لو لم يفز بالإنتخابات، وإذا فاز جو النائم (بايدن) سينسحب الناس من متابعة السياسة، يري الدكتور الصويغ أن وضوح ترمب -الفج أحيانا- يجعل التعامل معه سهلا، علاقته مع السعودية لا يجب أن تتحول من التعامل مع حليف إلى عدو محتمل ، ورأيه أن الحوار مع واشنطن في القضايا المشتركة يجب أن يحدث بمعزل عن القضايا الخلافية، وأن التباحث مع أمريكا في موضوعات تخص الأمن القومي العربي ، وعلى رأسها قضية فلسطين يجب أن يتم وكأنه ليست هناك قضايا مشتركة. وفي تعليقه على تصريحات غير مقبولة بشأن السعودية صدرت من بايدن ومن ترمب يرى الكاتب أن كليهما أبديا من الاهتمام بالسعودية بعد انتخابهما ما يشكل تراجعا عمليا عن موضوع التصريحات المستفزة ، ويركز على أن الحكم في دول الخليج يستمد شرعيته وقوته من علاقته الطيبة مع شعوبه وليس من تحالفاته الخارجية، ولذا فإن حلف شاه إيران الوثيق مع أمريكا لم يقو حكمه بل سمح بصعود حكم الملالي. أعلن ترمب عام ٢٠١٧ أنه ليس مهتما بحل الدولتين، وأن الأمر يعود لما يتفق الطرفان الفلسطيني والصهيوني عليه، ويرى المؤلف أن هذا الموقف يعني أن أمريكا لن تضغط على اسرائيل للقبول بمبادرة الملك عبدالله للسلام عام (٢٠٠٢) ، وفي مقال للكاتب نشر في مارس ٢٠١٧ ، رأي أن الرد على ذلك الإعلان يجب أن يتضمن إنهاء الخلاف الفلسطينى، وخروج رؤية فلسطينية مشتركة للسلام ، وكذلك خروج مؤتمر القمة العربي الذي اقترب موعده انذاك في الأردن بتصور عربي مشترك عن السلام . ولكنه رغم ذلك لم يكن متفائلا، لا برؤية عربية ترد على تنصل ترمب من حل الدولتين، ولا بقدرة العرب والفلسطينيين على طئ خلافاتهم. و في مقال ٱخر ( يونيو ٢٠١٧) يتألم من تراجع القضية الفلسطينية لتصبح في أدنى جداول الإهتمام العربي، ويقول : إن الأكثر ألما هو تدهور موقف السلطة الفلسطينية من التمسك بالثوابت الفلسطينية، إن السلطة الفلسطينية لم تسجل أي نجاح مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلا في تأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، ترمب أعلن عن موعد محدد لانتقال السفارة إلى القدس. يؤكد الصويغ أن الانتقال كان سياسة ثابته لكل الإدارات الأمريكية وإنما لم يكن هناك موعد. وفي مقال ٱخر ( ديسمبر ٢٠١٧) رأى أن الرد الفلسطيني يجب أن يتضمن إيقاف كل حديث عن المفاوضات مع اسرائيل والعودة إلى خيار الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية. وفي الختام سنري هل سيختلف ترمب في ولايته الثانية عن ترمب في ولايته الأولى؟