الإبداع لا يُحاكى.

لا زال الذكاء يتدرّب، ولا نزال نعيش معه التجربة، خصوصًا في سياق العربية، وستظلّ لمسة الأديب فارقة. هو يعترف بذلك حين تُدخِل له نصًا كتبه أديب وتطلب منه تحليله. الذكاء يعرف نفسه كما يدرك أساليبه، لذلك لا أنصح أي مبدع في صناعة المحتوى أن يلجأ إليه إلا في حدود ضيقة، وأن يطلب منه – من خلال هندسة الأوامر – عدم التدخل في الصياغة، وهو يفعل ذلك. الأخطاء واردة، وكان المصحح والمدقق اللغوي يتولى تصويبها، ولا بأس أن يكون للذكاء كلمته – في حدود. أما بخصوص الموضوعات، فسيكون التحدي واسعًا، وسيُحسم لصالح الكتابة البشرية، لأنها شديدة الخصوصية، عميقة الارتباط بمشاعر الإنسان، ومزاجه المتقلب، الذي يصعب على الذكاء برمجته، وإن خُيِّل لك ذلك عبر اللغة. وربما يحق لكل مبدع حقيقي – وهو يرى محاولات الذكاء في المحاكاة – أن يردد مع المتنبي: ودع كلّ صوتٍ غير صوتي فإنني أنا الطائرُ المحكيّ والآخرُ الصدى الذكاء يُخطئ في أبيات الشعر، وينسب أبيات أبي تمّام للمتنبي والعكس. الذكاء – وإن ساعد في كثير من المهام وقصّر المسافات، وهو أمر يُحمَد له – إلا أنه في موضوع الإبداع، خصوصًا في مجالات الكتابة والفنون وما يرتبط بالوجدان، سيكون الطريق أمامه طويلًا. صحيح أنه يتعرّف على أساليب الكُتّاب ويحاول أن يُقاربها، لكنه – وذلك دليل – لا يزال يُحاكي، ولا يمكن لمن يُحاكي إلا أن يكون صدىً لغيره، يتتبع خطاه. وسيظل الإنسان متقدّمًا بخطوات، وإن بدا ضعفه أمام سرعة الآلة وقدرتها على تنفيذ المهام. في سياق الإبداع، الموضوع يختلف؛ بداية من اشتعال الفكرة في رأس صاحبها، ثم تدوينها على الورق. يتدفّق القلم عبر كمّية من المشاعر والمواقف والاستشهادات الشعرية وغيرها، يختارها الأديب كما تجلّت له، لا كما يُملى عليه من قِبل الآلة. لا زال العالم في مرحلة اختبار لهذه الطفرة الجديدة. وتراثُنا العربي واسعٌ وعميق مقارنةً بآلة – وإن أتت بقوة وسرعة فائقة – وفي تراثنا قطعٌ أدبية نحتها البشر ولم نرَ نظيرًا لها، وتحمل سمات أصحابها، بعكس ما يُنتجه الذكاء، والذي يكاد يتطابق. ومن يتأمل بعض ما يُنشر عبر وسائل الإعلام من تدوينات، يُدرك ذلك عبر تراكيب مكرورة، غير ناضجة في الصياغة. وحين تتشابه الأساليب، يبرز المختلف منها. لا خوف من الذكاء كأداة مساعدة، بل الخوف من الإنسان حين يكسل عقله، ويدمن استخدام الذكاء في أبسط مهامه!