
الكاتب لا يمكن أن يكون بمعزل عن مجتمعه، فما يكتبه قد يكون تجسيدًا او انعكاساً لمعتقد قائم في ذلك المجتمع او فكرة مترسخة في وعيه ، وكذلك الحال في السينما والدراما. لذلك لا غرابة عندما نجد أن فكرة تلك الأعمال تتوحد وتتمحور حول ذلك المعتقد. ومن بين تلك المعتقدات الراسخة، برزت فكرة «المخلّص» أو «المنقذ»، والتي نجدها حاضرةً في ثقافات شتّى وديانات متعددة. فالمهدي ، مثلًا، هو شخصية يؤمن بها المسلمون سنةً وشيعة، وتنتظر ظهوره طوائف كثيرة. بل نجد لهذا المفهوم نظائرهُ عند المسيحيين، إذ يُنتظر المخلّص في آخر الزمان، وكذلك في المعتقدات البوذية ، بل حتى في التراث اليهودي، حيث يُصوَّر “المخلّص” كقائد يهودي سيحكم اليهود العالم من خلاله. غير أن قصة المهدي تحوّلت – عبر الزمن – إلى مادة خصبة للأساطير والخرافات، حتى اختلط فيها الوحي بالوهم. وقد كان بحثي في هذه الفكرة بحثًا عامًا , لا يدخل مجال الأدب أو محيطاته الواسعة المترامية الأطراف. حتى غيّر بوصلة بحثي, ذلك الجدل حول نوع يسمى «الفانتازيا» عندها أخذت أبحث في قصة المهدي وكيف انها تتمثل في مفهوم او مسمى المخلص ، قادني البحث إلى وجوده في جميع الثقافات الإنسانية، القديم منها والحديث، فلم أستغرب عندما وجدت أنه غزا عالم الأدب والرواية، بل والسينما. فلقد ظهر مفهوم المخلّص الذي يتمثل في القوة والقدرة الخارقة والعدل في عدة أفلام، منها على سبيل الذكر: . The Matrix (1999) • شخصية “نيو” تمثل المخلّص الذي يأتي لينقذ البشرية من عالم الوهم الذي صنعته الآلات، وقد حقق نجاحًا جعل شركات الإنتاج تنتج منه عدة أجزاء. . The Lion King (1994) • “سيمبا” يعود بعد النفي لينقذ المملكة ويعيد التوازن. Harry Potter series • “هاري” هو المختار الذي من المفترض أن ينقذ عالم السحرة من الشرير “فولدمورت”. The Chronicles of Narnia: The Lion, the Witch and the Wardrobe (2005) • “الأسد أصلان” يُضحّي بنفسه من أجل إنقاذ الطفل “إدموند”، ثم يعود للحياة وينقذ نارنيا. Man of Steel (2013) • سوبرمان يتم تقديمه كرمز للمخلّص، وغالبًا ما يتم تصويره بصورة فيها رمزية دينية واضحة. Star Wars series (especially episodes IV-VI) • “لوك سكاي ووكر” يمثل المُخلّص الذي يعيد التوازن إلى القوة. هذا فيما يخص الأفلام. أما الروايات، فسأبدأ بأجمل الروايات لدي وأفضلها، وهي رواية “البؤساء”، والتي كان فيها جان فالجان يمثل صورة المخلّص المضحي، القوي، العادل، وإن كنت أرى أن الكاتب صوّر «مفهوم المخلص» بصورة رمزية. ومن الروايات أيضًا: 1- 1984 – جورج أورويل • رغم سوداويتها، إلا أن شخصية “وينستون” كان يُنظر له كأمل للثورة ضد النظام، لكنه يفشل, ورواية, وان كانت لا تحمل المفهوم الصريح إلا أنها تعد من رمزياته. 4- The Giver – لويس لوري • بطل الرواية يحاول إنقاذ المجتمع من فقدان المشاعر والمعنى الإنساني. ولم يكن الأدب العربي بمعزل عن رسم تلك الصورة، وإن كانت بصورة رمزية في أغلبها، بعيدًا عن المعتقد الديني، ومنها: • سيف بن ذي يزن (في السير الشعبية): شخصية سيف تُقدَّم كمخلّص للعرب من الاستعمار الحبشي في اليمن. القصة فيها عنصر أسطوري، مع نبوءة تقول إن طفلًا سيولد ويحرر العرب. • رواية “عائد إلى حيفا” – غسان كنفاني شخصية “خالد”، الابن الذي تربى عند العدو، لكنه يختار طريق المقاومة، تمثل رمزًا للمخلّص الذي يعود ليصحح خطأ الماضي. ونحن هنا لسنا في صدد الاختلاف أو الاتفاق مع ما ورد من أفكار ومعتقدات، ولكننا بصدد الحديث عن نوع من الأدب بدأ يظهر على ساحة الأدب الحديث، ألا وهو أدب الأساطير وعوالم الجن والخرافات. وهذا النوع أصبح له مُريدوه، وعشاقه، وكتّابه، حتى انه اصبح مثار جدلٍ بين أهل الأدب والنقاد واختلفوا حوله : هل هو ضرب من ضروب الأدب ومدرسة جديدة من مدارسه؟ وهل هذا القرن هو ميلاد تلك المدرسة؟ أم هو فقاعة من فقاعات العصر ستنتهي كما انتهت موجة أفلام الخيال العلمي في السينما العالمية، وتوجّه المشاهد إلى نوع آخر من الأفلام، تتمثل في أفلام المافيا والعصابات؟ وهذا الخلاف وهذه المشادات ما هي إلا نور مضيء في سماء الأدب، لأن هذه التجاذبات دليل على حياة أدبية تجمع بين الفكر الواعي والفكر النقدي، فأمة لا يموت أدباؤها، لا تموت ثقافتها لذا هي أمّة خالدة. وإن كنا نقف بخوف من انحراف تلك السجالات عن طريقها الصحيح، لأن الهدف والغاية من السجالات الأدبية الناضجة هي الفرز والتدقيق، وإعادة الحياة للساحة الأدبية، وليس شخصنة الأمور أو تمجيد كتّاب هذا النوع من الكتابات. ولهذا سنتناول هذا الموضوع بكل حياد وموضوعية. الأدب ومدارسه المختلفة، الحديثة منها والقديمة، اتفقت على أن الكتابة الأدبية تتميز بالصور البيانية، والحبكة، والاساليب البلاغية، مع الوصف الممتع والتشبيهات الجمالية, والقصص المطروحة حالياً من هذا النوع، للأسف، تفتقر لهذه الأركان. فهي حكايات مجرّدة ولا تمثل العمق الفني, بل تتشابه مع الخرافات والأساطير التي ذكرناها في أول هذا المقال عن المهدي عليه السلام، ولكنها لا تمثل حقيقة المهدي وصفاته. و “المهدي” عليه السلام، حقيقته أعظم من كل هذه التصورات؛ إذ أن خروجه سيكون لحظة تحوّل للعالم بأسره، وعودة الناس للدين الحق، بلا خلاف أو كفر. فكما أن صورة المهدي الحقيقية باقية، ستبقى أيضًا المدارس الأدبية الأصيلة، وما عداها مجرد سحابة صيف تمرّ دون أن تضر. وقد يتساءل البعض: هل ستندثر هذه الحكايات؟ نعم، إلا إذا كان كاتبها كاتبًا فذًّا، جمع بين صنوف الأدب وصوره وبلاغته, والخيال الشيق حينها ستتحول تلك الحكايات الى حبكة لأدب جميل راقٍ عذب.