بِسْتَاشْيُو

إنَّ العلاقة بين اللُّغة والتِّجارة علاقةٌ مُتَوَتِّرةٌ منذ القدم؛ فكلَّما اخضرّت أسهم الأسواق احمرَّت أحرف اللُّغة. وقد أَعْرَبَ عَنْها أبو عمرو بن العلاء وأَغْرَبَ عندما مرّ بالبصرة فإذا أعدالٌ مطروحةٌ مكتوبٌ عليها: “لأبو فلان” فقال: “يا ربِّ، يلحنون ويُرزَقون!”. وما ظنّك بهذه العلاقة في زمننا هذا الذي بلغت فيه التِّجارة العالميَّة أَوْجَها؟! انظر إليها في اللَّوحات التِّجاريَّة وقوائم المحالّ ترى أنّ اللُّغة صارت مَجْدُورَةً مُشَوَّهَةً (تصيح في زواياها)، وكأنّها تؤذِّن بآلامها في مالطا! ولئن سلم بعضها من الأخطاء اللُّغويّة لم يسلم من هُجْنَة العُجْمَة، وأبرز مثالٍ عليها (بِسْتَاشْيُو) وهو اسمٌ عدد حروفه كأرجل الحريش (أمّ أربعةٍ وأربعين)؛ وليس من مبرّرٍ لاستعماله مع وجود نظيره المعرّب المألوف (فُسْتُق) الذي تكلمت به العرب العَرْباء مع قلة عدد حروفه وخضوعه للقواعد الصّوتيّة والصّرفيّة العربيّة؛ فهو قدّ مرّ بالجمارك اللّغويّة عكس (بِسْتاشْيُو) المتسلِّل المَرِيد الذي التقى فيه ساكنان (الألف والسِّين)، وخُتِم بواوٍ مضمومٍ ما قبلها، وجاء على وزنٍ صرفيٍّ لم يستدركه أبو بكرٍ الزُّبَيْدِيّ على أبنية سيبويه. فهل المبرّر لاستعماله تجاريٌّ؛ ليزيد ثمنه بزيادة حروفه وغرابتها؟! ثُمّ انظر إلى الإعلانات التِّجاريَّة مرئيَّةً ومكتوبةً تراها ملوَّثةً بالعامِّيَّة، وإذا كان الهدف الوصول إلى المستهلكين فهل يبرِّر ذلك (استهلاك) الفصحى؟ ومن ناحيةٍ تجاريَّة بحتةٍ من المفترض أن تكون الإعلانات بالفصحى؛ لأنَّ جمهور الفصحى عالميٌّ عكس العامِّيَّة فجمهورها محلِّيٌّ، وبيننا مقيمون عرب ومسلمون هم غالبيّة الوافدين الذين بلغ تعداداهم الأخير( ١٥.٦) مليون نسمة، والفصحى أقرب إليهم من عامِّيتنا؛ وهي التي تجمع ما بيننا وبينهم. إنَّ على البلديَّات ووزارة الإعلام أن تضبط هذه العلاقة وأن تضع حدًّا للاستهتار (التِّجاريّ) باللُّغة الفصحى؛ فهناك قوانينُ كثيرةٌ جدًّا تفرض عليها ذلك وعلى رأسها المادَّة الأولى من النِّظام الأساسيّ للحكم التي تنصُّ على أنّ اللُّغة العربيَّة هي اللُّغة الرَّسمية للبلاد.