جبل طويق لا يُجيد إلا لغة البقاء.

جبلٌ يُعيد تعريف الخلود في قلب الجزيرة العربية، حيث تتنفس الأرض تاريخاً و تتحدث الصخور لغاتٍ من الأسرار، يقف جبل طويق كصرحٍ يختزل معنى الوجود. إنه ليس مجرد سلسلة جبلية تمتد بطول 800 كيلومتر، بل هو حكاية شعبٍ كتبت إرادته على جبين الزمن. هنا، حيث تتلاقى الروح مع الأرض، نتعلم أن البقاء ليس مجرد كلمة، بل هو ميثاق دمٍ و نار، و عَهدٌ بين الأجيال: “نحن لا نغادر، لأننا جزءٌ من تراب لا يموت”. قبل أن تُولد الحضارات، و قبل أن تُدوّن الكتب، كان طويق هنا.. شامخاً كأسطورة حية. يقول الجيولوجيون إنه تشكل منذ ملايين السنين، لكن التاريخ السعودي يؤكد أنه وُلد مع أول نفسٍ لعِراقة هذه الأرض. جبل طويق ليس صخوراً متراكمة، بل هو ذاكرة وطن تختزن معارك التوحيد، و همسات القوافل التجارية، و أنفاس الرواد الذين حوّلوا الصحراء إلى ملحمة. في تجاعيده الصخرية، نقرأ كيف تحولت التحديات إلى منصات انتصار. فقبل قرون، عندما كانت القبائل تتنازع على البقاء، كان طويق يشهد على تحالفات الدم التي نسجت أولى خيوط الوحدة. اليوم، و هو يشاهد المملكة و هي تبني مدناً ذكية تحت ظله، يهمس للرياح: “هذه الأرض لا تعرف المستحيل”. لغة البقاء التي يتحدثها جبل طويق ليست حروفاً تُكتَب، بل هي “دمٌ يُسفك، و عَرَقٌ يَجِفّ تحت شمس الثبات”. في كل شقٍّ في صخوره، قصةٌ عن رجالٍ عرفوا أن الموت على الأرض أهون من الرحيل عنها. هنا، حيث تنعدم المياه و تشتد الحرارة، تعلم أجدادنا أن “الجوع شرفٌ إذا كان ثمن البقاء”. لم يكن الصمود خياراً سهلاً، بل كان معركة يومية ضد الجوع و العطش و الغزو. ففي القرن التاسع عشر، عندما حاولت قوى الاستعمار اختراق نجد، وقف طويق كحصنٍ طبيعي، بينما وقف الجنود كحصنٍ بشري. هذه الثنائية بين الجبل و الإنسان هي سرٌّ من أسرار الجغرافيا السعودية: الأرض تُلهم، و الشعب يُنجز. إذا كان طويق مدرسةً للبقاء، فإن تلاميذه اليوم هم بَنَاةُ رؤية 2030. فالجيل الجديد يتعلم من هذا الجبل أن الطموح لا سقف له، تماماً كما لا قمة نهائية لطويق. فمنذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – و حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، و ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، ظل الجبل رمزاً يُستلهم في سياسات التحديث و التمكين. اليوم، تُبنى المدن الاقتصادية تحت ظلال طويق، و تُزرع الصحراء بالتقنيات الخضراء، و تُحفر الأنفاق في أحضانه كشرايين تنقل دم التقدم. كل هذا يجري بينما يبتسم الجبل بفخرٍ قائلاً: “لقد علمتهم أن البقاء لا يُقاس بالحجم، بل بالإرادة”. عندما سقطت دولٌ عظمى في المنطقة تحت وطأة الحروب و الانقسامات، ظلت المملكة صامدةً كجبل طويق. السر يكمن في “الدم الذي يرفض التجزئة”، و القلوب التي تنبض بوحدة لا تعرف الفرقة. حتى في أصعب لحظات التاريخ الحديث، عندما حاول الإرهاب زعزعة الأمن، وقف السعوديون كجدارٍ بشري يُكمّل جدار طويق الصخري. عندما يتحدث المستقبل بلغة الجبل اليوم، يُعيد طويق تعريف البقاء في عصر التكنولوجيا. فكما حوّل أسلافنا الصحراء إلى طريقٍ للقوافل، نحول اليوم الصحراء إلى طريقٍ للذكاء الاصطناعي ، القدية” مشروع وِلد من رحم إرادة الجبل. طويق يعلمنا أن نكون جذوراً ضاربة في الأرض، و أغصاناً ممتدة نحو السماء. ففي الوقت الذي تحافظ فيه المملكة على تراثها، تُطلق صواريخ الفضاء، و كأنها تقول للعالم: “هذه أرض الأجداد، و هنا نصنع مستقبل الأحفاد”. يستغرب البعض من سرّ قوتنا! نحن أبناء أرضٍ علمتنا أن الموت أهون من التنازل عن ذرة تراب. نحن أبناء جبلٍ يقول للعالم: “هذه الأرض لا تُورث، بل تُكتسب بدم الأبطال”. ولئن سألتَ: ما سرّ خلود المملكة؟ فالجواب في صمت طويق الناطق: “السرّ في شعبٍ لا يعرف إلا لغة البقاء”.