
ابن بطوطة: شمس الدين أبوعبدالله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف بن اللواتي الطنجي بن حميد الغازي بن القريش العلي. المعروف بابن بطوطة (نسبة إلى أمه فهو ابن بطوطة، وبطوطة معروف جيدا أنه اسم دلع لكلمة فاطمة، فاطمة لها في المصطلح الإفريقي أكثر من خمسة عشر أداء فهي فطومة، وهي فطيمو، وهي فاطم، وهي فاطو، وهي يطو، وهي الطام، وطوما. وإذا كان في مصر يطلقون على فاطمة اسم بطة فإن المغاربة في بعض جهات الشمال المغربي يسمونها بطوطة)، رحالة ومؤرخ، ولد في مدينة طنجة سنة 703هـ/ 1304م ، وتوفي في مراكش سنة 779هـ1377م. مكث ابن بطوطة في طنجة إلى أن بلغ الثانية والعشرين، وفي عام 725هـ اندفع بدافع التقوى إلى أداء فريضة الحج، وانساق بحبه الأسفار إلى التجوال في بلدان العالم المعروف في أيامه، خرج ابن بطوطة من طنجة، فطاف بلاد المغرب، ومصر، والشام، والحجاز، والعراق، وفارس، واليمن، والبحرين، وتركستان، وما وراء النهر، وبعض الهند، والصين، والجاوة وبلاد التتر، وأواسط افريقية. اتصل بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم، - وكان ينظم الشعر- واستعان بهباتهم على أسفاره، وقبل عودته أخيراً إلى فاس في المغرب خرج في رحلة صغيرة إلى أسبانيا ثم في سفارة جنوبية إلى الصحراء الكبرى. عاد بعدها إلى فاس، فانقطع إلى السلطان المريني أبي عنان. وأملى أخبار رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس سنة 756هـ وسماها تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، واستغرقت رحلته 29 سنة، وامتدت لما يزيد عن 75ميلا قطعها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. سجل خلالها مشاهداته وآرائه، منها ما ذكره كواقع عايشه أو كخبر سمعه. ويُعد ابن بطوطة سيد الرحالة العرب والمسلمين أمضي ما يقارب من نصف عمره وهو يتجول بين البلدان، واستغرقت رحلات ابن بطوطة زهاء تسع وعشرين سنة، أطولها الرحلة الأولى التي لم يترك ناحية من نواحي المغرب والمشرق إلاّ زارها. نظرة على عصر ابن بطوطة عصر ابن بطوطه (نهاية القرن الثالث عشر وبدايات القرن الرابع عشر الميلادية) هو عصر الرحالة العظام وعصر الرحلة العربية بلا منازع ففي هذا العصر قام ابن خلدون برحلاته الشهيرة من المغرب العربي إلى الأندلس ثم تونس ثم مصر فالحجاز فالشام ثم عاد، وابن الخطيب – لسان الدين بن الخطيب- الأديب والطبيب والوزير المولود في 713هـ في قرطبه ومنها انتقل إلى مدينة لوشه ثم إلى غرناطه، ثم إلى المغرب. والمقريزي المولود عام 766هـ ببعلبك رحل لطلب العلم بأكثر من بلد حتى استقر في القاهرة ليحتل مركزا عاليا بين المؤرخين الكبار حيث أن معظم المؤرخين الكبار كانوا من تلاميذه. *رمضان في مكة عند الرحّالة: حرص المسلمون في طلب الرحلة، كما ورثوها عن أسلافهم عرب الجاهلية، ولكنهم أضافوا إليها ثلاث مقاصد جديدة حتى تلبي متطلبات حياتهم الجديدة المتنوعة: رحلة الحج والعمرة، طلب العلم، ورحلة التجول والطواف. وبرز في المجال الجغرافي العربي رحّالة مسلمون سجلوا لنا تفاصيل عديدة عن عادات وتقاليد الحياة الاجتماعية لتلك الأقوام والملل والنحل التي قصدوها، فكانت بحق سجلاً لأولئك الناس احتفظ العرب بها في مصنفاتهم الجغرافية، ونهل منها الغربيون ما شاء أن ينهلوا وأعجبوا وأشادوا بكل فخر واعتزاز بتلك الرحلات العربية في مؤلفاتهم الصادرة لاحقاً. وقد دون الرحّالة العرب الذين قصدوا جزيرة العرب ما شاهدوه من احتفالات تُقام خاصة في استقبال الأشهر العربية، ورسموا في رحلاتهم صورة ناطقة حية عن احتفالات المسلمين بشهر رمضان المبارك في مكة المكرمة. ووصفوا لنا حياة الناس خلال الشهر الكريم بكل أمانة وصدق وإعجاب. رمضان في مكة في عصر ابن بطوطة كما وصفه: عرض لنا ابن بطوطة عادات المكيين في هذا الشهر الفضيل، فقال: “إذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نوراً ويسطع بهجة وإشراقاً، وتتفرق الأئمة فرقا من القُراء يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع، ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يُصلي بجماعة فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس، وتحضر القلوب وتهمل الأعين. ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفرداً، والشافعية أكثر الأئمة اجتهاداً. وعاداتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة وهي عشرون ركعة يطوف إمامهم وجماعته، فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة، كان ذلك إعلاماً بالعودة إلى الصلاة، ثُم يُصلّي ركعتين ثُم يطوف أسبوعاً. وهكذا إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى ثُم يُصلّون الشفع والوتر وينصرفون. وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئاً. وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم، فيقول داعياً ومذكّراً ومحرّضاً على السحور. وكذلك يفعل المؤذنون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه. وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض، قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يوقدان. فإذا قرب الفجر وقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، وحط القنديلان وابتدأ المؤذنون بالأذان وأجاب بعضه بعضاً. ولديار مكة شرّفها الله سطوح، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين فيتسحّر، حتى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل. وفي ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن، ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء، ويكون الذي يختم بها أحد أبناء كبراء أهل مكة. فإذا نصب له منبر مزين بالحرير، وأوقد الشمع، وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله، فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات. وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر. وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لسائر الليالي. ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم، وتقام غذاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم، وتعرض بينها ألواح طوال، ويجعل ثلاث طبقات، وعليها الشمع وقنديل الزجاج فيكاد يغشى الأبصار شعاع الأنوار. ويتقدم الإمام فيُصلّي فريضة العشاء الآخرة، ثُم يبتدئ قراءة سورة القدر، وإليها يكون انتهاء قراء الأئمة في الليلة التي قبلها. وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام ويحضرونها متبكرين، فيختم الإمام في تسليمتين ثُم يقوم خطيباً مستقبل المقام. فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم وانفض الجمع. ثُم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي في منظر مختصر، وعن المباهاة منزّه موقّر فيختم ويخطب وعادته في شوال وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات أن يوقدوا المشاعل ليلة استهلاله، ويسرجون المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان وتوقد السُرج في الصوامع من جميع جهاتها، ويوقد سطح الحرم كله وسطح المسجد الذي بأعلى أبي قبيس، ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح والناس ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء، فإذا صلوا صلاة الصبح أخذوا في أهبة العيد ولبسوا أحسن ثيابهم، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف، به يصلون صلاة العيد لأنه لا يوجد موضع أفضل منه ويكون أول من يُبكّر إلى المسجد الشيبيون، فيفتحون باب الكعبة المقدسة، ويقعد كبيرهم في عتبتها وسائرهم بين يديه إلى أن يأتي أمير مكة. فيتلقونه، ويطوف بالبيت أسبوعاً، والمؤذن الزمزمي فوق سطح قبة زمزم على العادة، رافعاً صوته بالثناء عليه، والدعاء له ولأخيه كما ذكر. ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين، والفرقعة أمامه، وهو لابس السواد. فيصلّي خلف المقام الكريم، ثم يصعد ويخطب خطبة بليغة. ثم إذ فرغ منها أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام والمصافحة والاستغفار، ويقصون الكعبة الشريفة فيدخلونها أفواجاً. ثم يخرجون إلى مقبرة المعلى تبركاً بمن فيها من الصحابة وصدور السلف، ثم ينصرفون إلى بيوتهم وعائلاتهم وأصدقائهم للتهنئة بالعيد السعيد”. أهمية رحلة ابن بطوطة كشاهد عيان على حلول غرة شهر الصوم المبارك في مكة المكرمة في عصره: اختزن ابن بطوطة في ذاكرته المشاهد والصور والأخبار التي سردها وأملاها في كتابه- تحفة النظار-، وقصة رحلاته من أطرف القصص وأجزلها نفعاً، لما فيها من وصف للعادات والأخلاق، ولما فيها من فوائد تاريخية وجغرافية، ومن ضبط لأسماء الرجال والنساء، والمدن والأماكن التي زارها وعاش فيها، وجاءت أوصافه بأسلوب فكه، توخي فيه الأمانة، حتى لو كان الأمر لنفسه، وهذا ما جعل المستشرق دوزي (ريِنهارت دوزِي مستشرق هولندي وأستاذ اللغة العربية في جامعة لَيْدَن، من مواليد 21فبراير1820م بليدن هولندا، وتوفي في29 أبريل بالاسكندرية مصر 1883م، اشتهر بدراسة تاريخ شمال أفريقيا والأندلس. له مؤلفات عدة، أشهرها تكملة المعاجم العربية أو المستدرك) يلقبه بالرحالة الأمين. وابن بطوطة شاهد عيان على حلول غرة شهر الصوم المبارك في مكة المكرمة، فذكر لنا في رحلته تفاصيل عديدة عن عادات أهلها استهلال الشهور، ومنها شهرا رمضان وشوال، فقال عن عادات المكيين في استهلال الشهور قائلاً: “وعاداتهم في ذلك أن يأتي أمير مكة في أول يوم من الشهر، وقواده يحفلون به، وهو لابس البياض معمم، متقلدا سيفاً، وعليه السكينة والوقار، فيصلي عند المقام الكبير ركعتين ثم يقبل الحجر، ويشرع في طواف أسبوع، ورئيس المؤذنين على أعلى قبة زمزم، فعندما يكمل الأمير شوطاً واحداً ويقصد الحجر لتقبيله يندفع رئيس المؤذنين بالدعاء له والتهنئة بدخول الشهر رافعاً بذلك صوته ثم يذكر شعراً في مدحه ومدح سلفه الكريم، ويفعل به هكذا في سبعة أشواط، فإذا فرغ منها ركع عند الملتزم ركعتين ثم ركع خلف المقام ركعتين ثم انصرف، ومثل هذا سواء يفعل إذا أراد سفراً وإذا قدم من سفر أيضاً”. وختاماً: ابن بطوطة يصف أهل مكة: “ولأهل مكة الأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة والايثار إلى الضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء، ومن مكارمهم انهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بإطعام الفقراء المنقطعين المجاورين، ويستدعيهم بتلطف ورفق وحسن خلق ثم يطعمهم. وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران حيث يطبخ الناس أخبازهم فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله إلى منزله فيتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له، ولا يردهم خائبين، ولو كانت له خبزه واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها طيب النفس بذلك من غير ضجر، وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس، وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم أبدا ناصعة ساطعة، ويكثرون السواك بعيدان الأراك الأخضر، ونساء مكة فائقات الحسن، بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف، وهن يكثرن التطيب حتى إنَّ أحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً. * عضو اتحاد كتاب مصر