الاعتقاد
(الاعتقاد هو اعتبار شيء ما حقيقة) التعريف واضح ماعدا مفردة واحدة هي (الاعتبار)، فمن هو هذا الذي يعتبر؟ وما هو مستواه المعرفي؟ وما هي المنابع التي تؤسس المرجعية لهذ الاعتبار؟ وما مصلحة الإنسان من هذا الاعتبار؟ ولأن الاعتقاد ضرورة روحية وعملية للفرد والمجتمع؛ تولدت من مضمون هذه الأسئلة الأدلوجيات السماوية والأرضية، فالأنبياء والمصلحون الاجتماعيون والفلاسفة وسائر الفئات المنتجة للفكر في المجتمع، الكل وضع تصوره لما يجب أن يكون عليه هذا الاعتبار الموصل إلى الحقيقة. من هنا تولدت الأدلوجيات المختلفة، وبدلا من اكتفاء كل أدلوجية بوجهة نظرها، صوابا أو خطأ؛ لأن الحقيقة ذات زوايا متعددة، راحت كل واحدة تحتكر الحقيقة، وتحاول فرض رؤيتها على الأدلوجيات الأخرى بالقوة، حيث أدت إلى تأجيج العداوات، وشن الحروب، ولا تزال في هذه الدوامة من الصراع، بل هي تزداد عتوا وهمجية. من المستحيل الاتفاق البشري على أدلوجية واحدة، لأن الأدلوجية مرتبطة بالمصالح الفردية، وبكيفية العمل في الحياة الاجتماعية، وبالزمن الذي نشأت فيه، وبفاعلية التأثير الذي تحدثه في النفوس وبالإرث الثقافي والبناء النفسي. وهذه كلها من الأمور التي من المستحيل الاتفاق عليها. وإذن سيبقى الانقسام والتناحر. من هنا يتولد السؤال الفاجع: لماذا فشلت جميع الأدلوجيات في الوصول إلى الحقيقة؟ هل هو خلل بشري وجودي كامن في جوهر الإنسان؟ وهل هناك له من دواء؟ في التفاعل الاجتماعي، وعلى الرغم من صراع الأفكار والادلوجيات طوال التاريخ، توصلت البشرية إلى قيم مشتركة، حاول عصر الأنوار ترسيخها في السلوك البشري، وكانت الحرية والإخاء والمساواة على رأس هذه القيم. وكاد العالم أن يزيح عن كاهله كثيرا من الأخطاء، ولم يدر أن هناك ما يتربص به وهو الرأسمال، وإذا بكل تلك القيم تنطفئ وتنشأ قيم أخرى من الانحدار الأخلاقي الذي كان موضوع المقال السابق. لابد للإنسان من الوقوف في وجه هذا الانحدار البشري المسرع إلى الهاوية، ولكن كيف؟ مادامت ترسانة الإعلام المضللة والمزيفة لوعي البشر في أوج نشاطها، ومادام الرأسمال يبث في النفوس ما يشاء من الرغبات الاستهلاكية. لقد أصبحنا في عصر (الإنسان ذو البعد الواحد) وقد صدق من وصف الحضارة الغربية بأنها (حضارة فاوست) ونحن واقعون تحت ريحها الصرصر العاتية بكل أسف.